بما يخص هذه النقطة يتحتم على طالب العلم عدة أمور لا بد من أن يلتزم بها:
منها: تحديد العلماء ـ الأحياء منهم والأموات ـ الذين يتلقى منهم العلم؛ ونعني بذلك أنه لا بد له ابتداءً من تحديد العلماء العاملين من ذوي المنهج السلفي السني الصحيح الذين يتلقى منهم ومن مؤلفاتهم العلم .. على ضوء الميزان أو الضابط الذي أشرنا إليه في النقطة الثالثة .. وبعد أن يرتوي منهم إلى درجة التضلع والتمكن .. له أن يتوسع ويقرأ لغيرهم إن وجد الوقت أو الفائدة من وراء ذلك.
فلا يتلقى العلم ـ وبخاصة في المرحلة الأولى من الطلب ـ من أهل البدع والأهواء ..!
ومنها: أن يتجرد من التعصب لأشخاص ومذاهب العلماء .. فينصف الحق منهم ومن نفسه .. ويعلم أن كلاً يؤخذ منه ويُرد عليه .. يُخطئ ويُصيب .. يُقال له أخطأت وأصبت .. عدا النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه لا يجوز أن يُفترض فيه إلا الحق والصواب، كما لا يجوز أن يُعقب عليه في شيء .. وإنما يُسلم لحكمه وأمره تسليماً.
يدور مع الحق حيث دار .. لا مع الشيخ أو الحزب حيث يدور .. فيوالي ويُعادي فيه، في الحق وفي الباطل ..!
من أعظم ضلالات أهل الكتاب أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله .. فاتبعوهم في تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله .. وأطاعوهم بغير سلطانٍ من الله .. كما قال تعالى عنهم: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ التوبة:31.
فطالب العلم الجاد يجب أن يحتاط لنفسه ودينه من أن يتخلق بشيء من ذلك
وهو يدري أو لا يدري ..!
ومنها: أن يحفظ للعلماء العاملين حقهم من الموالاة، والتوقير، والاحترام؛ فينصفهم إن أصابوا .. ويفرح لذلك .. ويعذرهم إن أخطأوا ما وجد لإعذارهم سبيلاً ..!
قال - صلى الله عليه وسلم - :" ليس من أمتي من لم يُجلََّّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالِمنا "[ ]. أي يعرف له حقه من توقير وإكرام واحترام .. فهذا لا يتعارض مع ما تقدم من ضرورة إنصاف الحق!
مشكلة كثير من طلاب العلم أنهم لا يُحسنون الموازنة بين ما يجب عليهم من إنصاف الحق من الخلق .. وبين ما يجب عليهم من توقير واحترامٍ للعلماء .. فيظنون أن أحدهما يتعارض مع الآخر ولا بد .. والأمر ليس كذلك!
فإن قيل: هلاَّ ذكرت لنا أسماء بعض العلماء .. ممن تنصحنا بالقراءة لهم ..؟
أقول: قد تعرفت على الميزان الذي توزن به الأشياء .. والذي على أساسه تأخذ وترد .. وبه تعرف الحق من الباطل .. والمصلح من المفسد .. والعالم ممن سواه .. كما هو وارد في النقطة الثالثة من هذا البحث.
فلو أعملت هذا الميزان بصورة جيدة لسهل عليك معرفة لمن تقرأ من أهل العلم .. ومع ذلك أذكر لك بعضاً من أهل العلم والفضل ممن يُستحسن القراءة لهم.
فأقول: هم أكثر من أن يُحصروا في هذا البحث ولله الحمد .. ولكن أخص منهم بالذكر: جبل العلم الأشم شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية .. وتلميذيه النجيبين ابن القيم وابن كثير .. والنووي .. وابن عبد البر .. والشوكاني .. وابن رجب الحنبلي .. والشيخ محمد بن عبد الوهاب وأحفاده الأولين .. الشنقيطي صاحب الأضواء .. أحمد شاكر .. الشيخ محمد ناصر الدين الألباني .. ابن العثيمين .. سيد قطب .. محمد قطب .. الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي .. أبو محمد المقدسي .. سفر الحوالي .. وغيرهم الكثير من أهل العلم والفضل .. رحم الله الأموات منهم، وحفظ الأحياء منهم من كل سوء.
أنت بحاجة إلى هؤلاء كلهم .. وإلى غيرهم .. مع التنبيه إلى ما ذكرناه سابقاً أن ما من عالم إلا وله هفوة وهفوات .. له وعليه .. يخطئ ويُصيب .. يؤخذ منه ويُرد عليه .. والكمال عزيز .. والطالب عند القراءة أو الطلب عليه أن يتنبه لذلك .. وأن لا يكون كحاطب ليل!
المرجع : مذكرة في طلب االعلم .
الشيخ : عبدالمنعم مصطفى حليمة .