(11) عُــــــــرْوَةُ بْـــنُ الـــزُّبَـــيْـــــــــــرِ
هُـــــو: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى بْنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ، أَبُو عَبْدِ اللهِ القُرَشِيُّ الأَسَدِيُّ المَدَنِيُّ. الإِمَامُ الفَقِيْهُ، الصَّابِرُ العَابِدُ، عَالِمُ المَدِيْنَة، وأَحَدُ الفُقَهَاءِ السَّبْعَة.
فَأَبُوهُ الزُّبَيْرُ: أَحَدُ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ إِلَى الإِسْلاَمِ، وأَحَدُ العَشَرَةِ المُبَشَّرِينَ بِالجَنَّةِ، وحَوَارِي الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّم، وابْنُ عَمَّتِهِ صَفِيَّة.
وأُمُّه هِي: ذَاتُ النِّطَاقَيْن أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بِكْرٍ الصِّدِّيق رَضْيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وأُمُّ المُؤْمِنِيْنَ خَدِيجَة عَلَيْهَا السَّلاَمُ، عَمَّة أَبِيِه.
وأُمّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَة رَضْيَ اللهُ عَنْهَا، خَالَتُه؛ فَلاَزَمَها عُرْوَةُ وَتَفَقَّهَ بِهَا.
وكَانَ يَصُوْمُ الدَّهْرَ، إِلاَّ يَوْمَي عِيد الفِطْرِ والأَضْحَى، ولَمْ يَدْخُلْ فِي شَيْءٍ مِنَ الفِتَنِ.
مَـوْلِـــــدُه: وُلِدَ عُرْوَة سَنَةَ ثَلاَثٍ وعِشْرِيْنَ (23 هــ).
اجْتَمَعَ فِي حِجْرِ الكَعبَة هُوَ وعَبدُ اللهِ بْنُ عُمَر وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْر ومُصْعَبُ بْنُ سَعد، فَقَالُوا: تَمَنَّوْا.
فَقَالَ عَبدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَتَمَنَّى المَغْفِرَة.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَّا أَنَا، فَأَتَمَنَّى الخِلاَفَة.
وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَتَمَنَّى أَنْ يُؤْخَذَ عَنِّي العِلْم.
وَقَالَ مُصْعَب بْنُ سَعْدٍ: أَمَّا أَنَا، فَأَتَمَنَّى إِمْرَةَ العِرَاقِ، وَالجَمْعَ بَيْنَ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَة، وَسُكَيْنَةَ بِنْتِ الحُسَيْن.
فَنَالُوا مَا تَمَنَّوْا، وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ غُفِرَ لَهُ.
زَوْجَـاتُـــــهُ:
- سَوْدَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب.
- أَسْمَاءُ بِنْتُ سَلَمَةَ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَد.
- أُمُّ يَحْيَى بِنْتُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّة.
- فَاخِتَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ.
أَوْلاّدُهُ: مُحَمَّد، ويَحْيَى، وأَبُو بَكْر، وعُمَر، وعُثْمَان، وهِشَام، وعَبْد اللَّه، وعُبَيْد اللَّه، ومُصْعَب، وخَدِيجَة، وأُمُّ كُلْثُوم، وصَفِيَّة، وعَائِشَة، وأَسْمَاء، وأُمُّ عُمَر، وأُمُّ يَحْيَى.
مِـن أَقـوَالِـــــه:
- قَالَ هِشَامُ بْنُ عُروَةَ: كَانَ أَبِي يَقُوْلُ لَنَا ونَحْنُ شَبَابٌ: مَا لَكُم لاَ تَعَلَّمُوْنَ؟! إِنْ تَكُوْنُوا صِغَارَ قَوْمٍ يُوْشِكُ أَنْ تَكُوْنُوا كِبَارَ قَوْمٍ، ومَا خَيْرُ الشَّيْخِ أَنْ يَكُوْنَ شَيْخاً وهُوَ جَاهِلٌ.
- وقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الحَسَنَةَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا عِنْدَهُ أَخَوَاتٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ تَدُلُّ عَلَى أُخْتِهَا. وإِذَا رَأَيْتَهُ يَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهُ عِنْدَهَا أَخَوَاتٍ، فَإِنَّ السَّيِّئَةَ تَدُلُّ عَلَى أُخْتِهَا.
- وقَالَ: لِتَكُنْ كَلِمَتُكَ طَيِّبَةً، ولْيَكُنْ وَجْهُكَ بَسْطًا، تَكُنْ أَحَبَّ إِلَى النَّاسِ مِمَّنْ يُعْطِيهِمُ العَطَاء.
- وقَالَ: رُبَّ كَلِمَةِ ذُلٍّ احْتَمَلْتُهَا أَوْرَثَتْنِي عِزًّا طَوِيلًا.
- وقَالَ: لَا يُهْدَيَنَّ أَحَدُكُم إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَسْتَحِي أَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى كَرِيمِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ الكُرَمَاءِ وأَحَقُّ مَا اخْتِيرَ لَهُ.
- وقَالَ: مَا بَرَّ وَالِدَهُ مَنْ شَدَّ الطَّرَفَ إِلَيْهِ. (يَعنِي: نَظَر إِلَيه بِقُوّة)
قُلْتُ (حَاتِم): رَحِمَكَ اللهُ مِن إِمَام، فَمَا تَقُول إِن أَدرَكْتَ زَمَانَنَا هَذَا، ورَأَيْتَ مَا يَفْعَلُه الأَبْنَاءُ مَعَ آبِائِهِم وأُمَّهَاتِهِم مِن سَبٍّ وضَربٍ وإِيذَاءٍ...؟!!
صَــبْـــــرُهُ:
قَالَ هِشَامٌ: وَقَعَتْ فِي رِجْلِ أَبِي الآكِلَةُ (مَرَض سَرَطَاني)، فَقِيْلَ: أَلاَ نَدْعُوْا لَكَ طَبِيْباً؟
قَالَ: إِنَّ شِئْتُم.
فَقَالُوا: نَسْقِيْكَ شَرَاباً يَزُوْلُ فِيْهِ عَقْلُكَ.
فَقَالَ: امْضِ لِشَأْنِكَ، مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ خَلْقاً يَشْرَبُ مَا يُزِيْلُ عَقْلَهُ حَتَّى لاَ يَعْرِفَ بِهِ.
فَوُضِعَ المِنْشَارُ عَلَى رُكْبَتِهِ اليُسْرَى فَقَطَعَهَا، فَمَا سَمِعْنَا لَهُ صَوْتاً!!!
فَجَعَلَ يَقُوْلُ: "لَئِنْ أَخَذْتَ لَقَدْ أَبْقَيْتَ، ولَئِنْ ابْتَلَيْتَ لَقَدْ عَافَيْتَ". ثُمّ نَظَرَ إِلَى رِجْلِهِ فِي الطَّسْتِ، فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ أَنِّي مَا مَشَيْتُ بِكِ إِلَى مَعْصِيَةٍ قَطُّ".
وقَالَ هِشَامٌ: وفِي ذَلِكَ اليَوْم... سَقَطَ أَخِي مُحَمَّدٌ مِنْ أَعْلَى سَطْحٍ فِي اصْطَبْلٍ، فَضَرَبَتْهُ الدَّوَابُّ بِقَوَائِمِهَا، فَقَتَلَتْهُ.
فَأَتَى عُرْوَةَ رَجُلٌ يُعَزِّيْه، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تُعَزِّيْنِي بِرِجْلِي، فَقَدِ احْتَسَبْتُهَا.
قَالَ: بَلْ أُعَزِّيْكَ بِمُحَمَّدٍ ابْنِكَ.
قَالَ: ومَا لَـهُ؟
فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَخَذْتَ عُضْواً وتَرَكْتَ أَعْضَاءًا، وأَخَذْتَ ابْناً وَتَرَكْتَ أَبْنَاءًا.
فَقَالَ الوَلِيْدُ بْنُ عَبْدِ المَلِك (الخَلِيفَة): مَا رَأَيْتُ شَيْخاً قَطُّ أَصْبَرَ مِنْ هَذَا!!
قَــالُـــواْ عَــنْـــهُ:
- قَالَ عَنْهُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْز: مَا أَجِدُ أَعْلَمَ مِنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ.
- وقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُهْرِيُّ: رَأَيْتُ عُرْوَةَ بَحْراً فِي العِلْمِ.
- وقَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ رَسُوْلِ اللهِ ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُوْنَ عُروَةَ.
- وقَالَ هِشَامٌ: وَاللهِ، مَا تَعَلَّمْنَا جُزْءاً مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِنْ حَدِيْثِ أَبِي!!
- وقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هِشَام: العِلْمُ لِوَاحِدٍ مِنْ ثَلاَثَةٍ: لِذِي حَسَبٍ يُزَيِّنُهُ بِهِ، أَوْ ذِي دِيْنٍ يَسُوْسُ بِهِ دِيْنَهُ، أَوْ مُخْتَبِطٍ سُلْطَاناً يُتْحِفُهُ بِعِلْمِهِ، وَلاَ أَعْلَمُ أَحَداً أَشْرَطَ لِهَذِهِ الخِلاَلِ مِنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيرِ وعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
- وقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: فُقَهَاءُ المَدِينَةِ أَرْبَعَةٌ؛ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وعُرْوَةُ، وقَبِيصَةُ، وعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ؛ ومَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَرْوَى لِلشِّعْرِ مِنْ عُرْوَةَ.
- وقَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ ثَلاَثَةٌ: القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرٍ، وعَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
- وقَالَ ابْنُ سَعْدٍ، والعِجْلِيُّ، وابْنُ حَجَرٍ: ثِقَةٌ. زَادَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ فَقِيهًا، عَالِمًا، كَثِيرَ الحَدِيثِ.
- وقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِن أَفَاضِلِ أَهْلِ المَدِينَةِ وعُقَلاَئِهِم.
- وقَالَ ابْنُ يُونُسَ: كَانَ فَقِيهًا فَاضِلاً.
- وقَالَ الذَّهَبِيُّ: كَانَ ثَبْتًا حَافِظًا فَقِيهًا عَالِمًا بِالسِّيرَةِ، وهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ المَغَازِي.
وَفَـاتُـــــهُ: مَاتَ عُرْوَةُ وهُوَ صَائِمٌ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ (94 هــ)، وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً (67)؛ رَحِمَه اللهُ تَعَالَى.