(9) سَـعِــيـــــــدُ بْـــنُ الْـمُـسَــيِّـــــــبِ
هُـــــوَ: سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ بْنِ حَزْنِ بْنِ أَبِي وَهْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ الْمَخْزُومِيُّ، أَبُو مُحَمَّد الْقُرَشِيُّ المَدَنِيُّ. الإِمَامُ المَشْهُورُ، فَقِيْهُ الفُقَهَاءِ، نَجْمُ التَّابِعِينَ، والمُقَدَّمُ فِي الفَتْوَى فِي عَصرِهِ، وأَحَدُ الفُقَهَاءِ السَّبَعَةِ بِالمَدِينَةِ.
كَانَ يُسَمَّى رَاوِيَة عُمَر بْن الْخَطَّابِ، لِأَنَّه كَانَ أَحفَظ النَّاس لِأَحكَامِهِ وأَقْضِيَتِهِ، وكَانَ أَعْلَم النَّاس بِأَبِي هُرَيْرَة، وزَوْج ابْنَته؛ ومَا كَان أَحَدٌ فِي التَّابِعين أَعْلَمُ بِكُلِ قَضَاءٍ قَضَاهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُلّ قَضَاءٍ قَضَاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكُل قَضَاءٍ قَضَاهُ عُمَرُ، وَكُل قَضَاءٍ قَضَاهُ عٌثْمَانُ، مِنْه، ومَا نُودِيَ بِالصَّلاةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِلا وهُوَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُهَا لاَ تَفُوتُه التَّكْبِيرَة الأُولَى!!! وحَجَّ أَرْبَعِينَ حَجَّـةً!!!
مَـوْلِـــــدُهُ: وُلِدَ سَنَةَ خَمْس عَشَرَة (15 هــ).
وكَانَ مِنْ سَادَاتِ التَّابِعِينَ فِقْهًا ودِينًا ووَرَعًا وعِلْمًا وعِبَادَةً وَفَضْلا، وكَانَ مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ لِلْرُّؤْيَا، وكَانَ ذَا هَيْبَة ووَقَار، ما كَانَ إِنْسَانٌ يَجْتَرِئُ عَلَى أَنْ يَسْأَلَه عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُ كَمَا يَسْتَأْذِنُ الْأَمِيرُ، وكَانَ يُفْتِي والصَّحَابَةُ يَوْمِئِذٍ أَحْيَـاء.
أَوْلاَدُهُ: مُحَمَّد، وإِلْيَاس، وسَعِيد، ومَرْيَم، وفَاخِتَة، وأُمُّ عُثْمَانَ، وأُمُّ عَمْرٍو.
قَــالُـــوا عَــنْـــهُ:
- قَالَ عَبدُ اللهِ بْن عُمَرَ رَضْيَ اللهُ عَنْهُ: سَعِيد؛ أَحَد المُفْتِين.
- وقَالَ زَيْنُ العَابِدِينَ: سَعِيد؛ أَعْلَمُ النَّاسِ، وأَفْقَهُهُم فِي رَأْيِهِ.
- وقَالَ القَاسِمُ بْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْرٍ: سَعِيدٌ؛ سَيِّدُنَا وعَالِمُنَا.
- وقَالَ مَكْحُولٌ الشَّامِيُّ: طُفْتُ الأَرضَ كُلَّهَا فِي طَلَبِ العِلْم، فَمَا لَقِيتُ أَعَلَم مِن سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، وهُوَ عَالِمُ الْعُلَمَاءِ.
- وقَال قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ أَعَلَم بِالحَلاَل والحَرَام مِن سَعِيد بْن المُسَيِّب.
- وقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: سُئِلَ الزُّهْرِيُّ ومَكْحُولٌ: مَنْ أَفْقَهُ مَن أَدْرَكْتُمَا؟ قَالاَ: سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ.
- وقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ مُوْسَى الأَشْدَقُ: كَانَ أَفْقَهَ التَّابِعِينَ.
- وقَالَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: ومَنْ مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ ؟! ثِقَةٌ، مِن أَهْلِ الخَيْرِ؛ أَفْضَلُ التَّابِعِينَ.
- وقَالَ عَلِيُّ ابْنُ المَدِينِيُّ: لاَ أَعْلَمُ فِي التَّابِعِينَ أَحَداً أَوْسَعَ عِلْماً مِنْهُ، وهُوَ عِنْدِي أَجَلُّ التَّابِعِينَ.
- وقَالَ العِجْلِيُّ: كَانَ رَجُلاً صَالِحاً فَقِيهاً.
- وقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ، إِمَامٌ.
- وقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ فِي التَّابِعِينَ أَنْبَل مِنْهُ، وهُوَ أَثْبَتُهُم فِي أَبِي هُرَيْرَةَ.
- وقَالَ الذَّهَبِيُّ: إِمَامٌ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ، وسَيِّدُ التَّابِعِينَ، ثِقَةٌ، حُجَّةٌ، فَقِيهٌ، رَفِيعُ الذِّكْرِ، رَأْسٌ فِي العِلْمِ والعَمَلِ؛ عَالِمُ أَهْلِ المَدِينَةِ بِلا مُدَافَعَةٍ.
- وقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَحَدُ العُلَمَاءِ الأَثْبَاتِ الفُقَهَاءِ الكِبَارِ.
مِـن أَقْـــوَالِـــــهِ:
- قَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ: مَا أَيِسَ الشَّيْطَانُ مِنْ شَيْءٍ إلَّا أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ النِّسَاء.
- وقَالَ: مَا أَكْرَمَت الْعِبَادُ أَنْفُسَهَا بِمِثْلِ طَاعَةِ اللَّهِ، ولَا أَهَانَتِ الْعِبَادُ أَنْفُسَهَا بِمِثْلِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وكَفَى بِالْمُؤْمِنِ نُصْرَةٌ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرَى عَدُوَّهُ يَعْمَلُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ.
- وقَالَ: لَا تَقُولُوا مُصَيْحِفٌ ولَا مُسَيْجِدٌ، مَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ عَظِيمٌ حَسَنٌ جَمِيلٌ.
- وقَالَ: لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُرِيدُ جَمْعَ الْمَالِ مِنْ حِلِّهِ، يُعْطِي مِنْهُ حَقَّهُ، ويَكُفُّ بِهِ وَجْهَهُ، ويَصِلُ مِنْهُ رَحِمَهُ، ويُؤَدِّي مِنْهُ أَمَانَتَهُ، ويَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ خَلْقِ رَبِّهِ.
- وقَالَ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ فَضِيحَةَ عَبْدٍ، أَخْرَجَهُ مِنْ تَحْتِ كَنَفِهِ، فَبَدَتْ لِلنَّاسِ عَوْرَتُهُ.
- وقَالَ: قِلَّةُ العِيَالِ أَحَدُ اليُسْرَيْن.
عِـــزَّةُ نَـفْـسِـــهِ:
- كَانَ سَعِيدُ بْن المُسَيِّبِ لاَ يَقْبَلُ شَيْئاً مِنْ أَحَدٍ. فكَانَ لَهُ فِي بَيْتِ المَالِ بِضْعَةٌ وَثَلاَثُوْنَ أَلْفاً، عَطَاؤُهُ. وَكَانَ يُدْعَى إِلَيْهَا، فَيَأْبَى، وَيَقُوْلُ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهَا!!!
- وَفِي يَـــوْمٍ... قَدِمَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ (الخَلِيفَة) المَدِيْنَةَ, فَقَالَ لِحَاجِبِهِ: انْظُرْ, هَلْ فِي المَسْجِدِ أَحَدٌ مِنْ حُدَّاثِنَا (يِعنِي: مِن أَتْبَاعِنا)؟ فَخَرَجَ، فَإِذَا سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ فِي حَلْقَتِهِ, فَقَامَ حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ, ثُمَّ غَمَزَهُ, وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِأُصْبُعِهِ، ثُمَّ وَلَّى. فَلَمْ يَتَحَرَّكْ سَعِيْدٌ. فَقَالَ الحَاجِب: لاَ أُرَاهُ فَطِنَ. فَجَاءَ وَدَنَا مِنْهُ ثُمَّ غَمَزَهُ وَقَالَ: أَلَمْ تَرَنِي أُشِيْرُ إِلَيْكَ؟
قَالَ وَمَا حَاجَتُكَ؟
قَالَ أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
فَقَالَ: إِلَيَّ أَرْسَلَكَ؟
قَالَ: لاَ, وَلَكِنْ قَالَ: انْظُرْ بَعْضَ حُدَّاثِنَا، فَلَمْ أَرَى أَحَداً أَهْيَأَ مِنْكَ.
فقَالَ: اذْهَبْ فَأَعْلِمْهُ أَنِّي لَسْتُ مِنْ حُدَّاثِهِ.
فَخَرَجَ الحَاجِبُ وَهُوَ يَقُوْلُ: مَا أَرَى هَذَا الشَّيْخَ إلَّا مَجْنُوْناً!! وَذَهَبَ فَأَخْبَرَ عَبْدَ المَلِك، فَقَالَ: ذَاكَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، فَدَعْـهُ.
وَفَـــاتُـــــه: مَاتَ سَعِيدٌ سَنَةَ أَربَعٍ وتِسْعِينَ (94 هــ)، ولَهُ تِسْعٌ وسَبْعُونَ سَنَةً (79)؛ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.