ـ فقه التعامل مع الطاغوت :
1- الكفر بالطاغوت شرط لصحة التوحيد والإيمان .
2- حكم من يقول لا إله إلا الله لكنه لم يكفر بالطواغيت .
3- صفة الكفر بالطاغوت .
ثانياً : الكفر بالطاغوت شرط لصحة التوحيد والإيمان :
من يقول لا إله إلا الله لكنه لم يكفر بالطاغوت، هو كمن يقول بالشيء وضده في آن واحد، وبالشيء وعدمه، فإن لا إله إلا الله تتضمن الكفر بالطاغوت في جانب النفي منها، فمن لا يكفر بالطاغوت مثله مثل من يقول : لا إله إلا الله ثم من جهة أخرى - بلسان المقال أو الحال - بقول : هناك إله مع الله !!
و هذا في دعواه التوحيد كذاب منافق زنديق مستهزئ بدين الله، وهو كافر مرتد، وقد تكون ردته مغلظة من جهة تكرار ردته وتهاونه في ذلك، وإليك الأدلة على ذلك :
أما كونه كذابا، فهو لقوله بالشيء وضده، فمن جهة يدعي أنه يكفر بالآلهة جميعها إلا الله، ثم تراه يؤمن بالطاغوت ويعبده من دون الله..!
و أما كونه منافقا، فهو لجمعه بين الشيء وضده، فمن جهة تراه يزعم بلسانه التوحيد، ثم هو في المقابل يضمر الكفر وعبادة الطاغوت..!
و أما كونه زنديقان فهو لجحوده وكفره وأنه عابد للطاغوت، وإذا ما أقيمت الحجة على كفره، فهو سرعان ما ينكر ويتملص بأنه مسلم وأنه يقول لا إله إلا الله..!!
و أما كونه مستهزئا بدين الله، فهو لإعلانه التوحيد مئات المرات وفي كل مرة لا يبالي في أن يأتي بما ينقض التوحيد على مدار الساعة من غير أن يجد حرجا في أن يأتي بضده وبما ينقضه على مدار الساعة ..!! فأي تلاعب بدين الله بعد هذا التلاعب، وأي استهانة بعد هذه الاستهانة، وقد أثر عن ابن عباس أن رجلا أتاه فقال : إني طلقت امرأتي مائة مرة !! فقال له ابن عباس : هي طالقة منك بثلاث طلقات، وقد هزئت من دين الله بسبع وتسعين طلقة !
و ذلك لأنه لم يراع حد الله في الطلاق، فكيف إذا بمن يجعل الكفر والإيمان ألعوبة حيث يأتي بالإيمان وضده على مدار الساعة من غير اكتراث أو مبالاة بما يصنع، لا شك أنه أولى بصفة الاستهزاء واللعب والتهكم.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : دين النبي صلى الله عليه وسلم التوحيد، وهو معرفة لا إله إلا الله محمد رسول الله، والعمل بمقتضاها، فإن قيل : كل الناس يقولونها، قيل : منهم من يقولها ويحسب معناها أنه لا يخلق إلا الله ولا يرزق إلا الله وأشباه ذلك ، ومنهم لا يفهم معناها ، ومنهم من لا يعمل بمقتضاها ، ومنهم من لا يعقل حقيقتها ، وأعجب من ذلك من عرفها من وجه وعاداها وأهلها من وجه ! وأعجب منه من أحبها وانتسب إلى أهلها ولم يفرق بين أوليائها وأعدائها ! يا سبحان الله العظيم أتكون طائفتان مختلفتين في دين واحد وكلهم على الحق ؟! كلا والله، فماذا بعد الحق إلا الضلال .
و أما كونه كافرا مرتدا، فهو مما لا خفاء فيه، حيث هو بعد دخوله الإسلام بشهادة التوحيد التي نطق بها لا يزال عاكفا على عبادة آلهة أخرى مع الله أو من دونه.
فالشرك محبط للعمل كليا، كما قال تعالى : و لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون .
أما كون ردته مغلَّظة بحيث يُقتل من غير استتابة، هو لتلاعبه بالتوحيد وتكرار ردته من غير اكتراث بما يصنع.
قال تعالى : إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا .
و قال تعالى : إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون .
قال ابن تيمية : أخبر سبحانه أن من ازداد كفر بعد إيمانه لن تقبل توبته، وفرق بين الكفر المزيد كفرا والكفر المجرد في قبول التوبة من الثاني دون الأول، فمن زعم أن كل كفر بعد الإيمان تقبل منه التوبة فقد خالف نص القرآن .
و في "منار السبيل" لابن ضويان : لا تقبل توبة من تكررت ردته، لأن تكرار ردته يدل على فساد عقيدته، وقلة مبالاته بالإسلام .
و عليه : فإن من لم يكفر بالطاغوت لا تنفعه لا إله إلا الله، ولا سائر الأعمال الصالحة من صلاة وحج وزكاة وصيام وغير ذلك، لنه يأتي بالتوحيد وبما يكذبه في آن واحد!
قال الشيخ ابن باز : والعبودية لله وحده والبراءة من عبادة الطاغوت، والتحاكم إليه من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله .
"فمن نصح نفسه وأهله وعياله، وأراد النجاة من النار، فليعرف شهادة أن لا إله إلا الله، فإنها العروة الوثقى وكلمة التقوى، لا يقبل الله من أحد عملا إلا بها، لا صلاة ولا صوما ولا حجا ولا صدقة ولا جميع الأعمال الصالحة إلا بمعرفتها والعمل بها، وهي كلمة التوحيد وحق الله على العبيد" .
المرجع : كتاب الطاغوت .
الشيخ : عبدالمنعم مصطفى حليمة .