ـ فقه التعامل مع الطاغوت :
1- الكفر بالطاغوت شرط لصحة التوحيد والإيمان .
2- حكم من يقول لا إله إلا الله لكنه لم يكفر بالطواغيت .
3- صفة الكفر بالطاغوت .
أولاً : الكفر بالطاغوت شرط لصحة التوحيد والإيمان :
اعلم أن أعظم ركن في الإسلام جاءت به الرسل هو الإيمان بالله تعالى وحده والكفر بالطاغوت، وهو غاية الرسل والرسالات، وأول ما يجب على العبد القيام به نحو ربه قبل الصلاة والصيام والزكاة وحج بيت الله الحرام، وغير ذلك من الطاعات، فلا يصح إيمان إلا بعد الكفر بالطاغوت، ولا يقبل عمل إلا بعد الكفر بالطاغوت، ولا يُعصم دم إلا بعد الكفر بالطاغوت.
قال تعالى : و لقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة . فهي المهمة الأولى لجميع الرسل بلا استثناء.
و قال تعالى : فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم .
فتقديم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله تعالى، له دلالات عظيمة، منها : عدم الاستهانة بقضية الكفر بالطاغوت، وبيان أنه أصل هام تبنى عليه بقية الأصول والفروع.
و منها، أنه لا بد من أن يسبق الإيمان الكفر بالطاغوت، ولو قُدم الإيمان على الكفر بالطاغوت فإن الإيمان لا ينفع صاحبه في شيء إلا بعد الكفر بالطاغوت والتخلي عن الشرك.
و منها، أن الإيمان بالله والإيمان بالطاغوت لا يمكن اجتماعهما في قلب امرئ واحد ولو لبرهة واحدة، فإن الإيمان بأحدهما يستلزم انتفاء الآخر. كما في الحديث : "لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب واحد" ، فإما إيمان بالله يتقدمه كفر بالطاغوت، وإما إيمان بالطاغوت وكفر بالله تعالى، وافتراض اجتماعهما هو افتراض اجتماع الشيء وضده في آن واحد.
و في معنى "العروة الوثقى" قال بعض أهل العلم : العروة الوثقى يعني الإيمان وقال بعضهم : يعني الإسلام، وقال بعضهم : يعني لا إله إلا الله، وهذه أقوال متقاربة كلها صحيحة لا تنافي بينها .
مفهوم الآية يقتضي أن من آمن بالله ولم يكفر بالطاغوت، أو كفر بالطاغوت ولم يؤمن يالله لا يكون قد استمسك بالعروة الوثقى وشهد أن لا إله إلا الله.
و في الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله" .
قال محمد بن عبد الوهاب : فقوله : وكفر بما يعبد من دون الله تأكيد للنفي، فلا يكون معصوم الدم والمال إلا بذلك، فلو شك أو تردد لم يعصم دمه وماله.
و اعلم أن الإنسان ما يصير مؤمنا بالله إلا بالكفر بالطاغوت، والدليل قوله تعالى : فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم، الرشد دين محمد صلى الله عليه وسلم ، والغي دين أبي جهل، والعروة الوثقى شهادة لا إله إلا الله وهي متضمنة للنفي والإثبات تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله وتثبت جميع أنواع العبادة كلها لله وحده لا شريك له .
و قال أبو محمد المقدسي : وهذا الأمر أعظم عروة من عرى الإسلام، لا تقبل دعوة ولا جهاد ولا صلاة، ولا صيام ولا زكاة ولا حج إلا به، ولا يمكن النجاة من النار دون التمسك به، إذ هو العروة الوحيدة التي ضمن الله تعالى لنا ألا تنفصم، أما ما سواها من عُرى الدين وشرائعه فلا تكفي وحدها دون هذه العروة للنجاة، قال تعالى : قد تبين الرشد من الغي فمي يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها.
تأمل كيف قدم الله الكفر بالطاغوت واجتنابه في الذكر على الإيمان به، والإنابة إليه سبحانه، تماما كما قدم النفي على الإثبات في كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وما ذلك إلا تنبيها على هذا الركن العظيم من هذه العروة الوثقى، فلا يصح الإيمان بالله ولا ينفع إلا بالكفر بكالطاغوت أولا .
المرجع : كتاب الطاغوت .
الشيخ : عبدالمنعم مصطفى حليمة .