ما معنى الطاغوت ؟
ـ الطاغوت لغةً :
طغى يطغى طغْيا ويطغو طغيانا : جاوز القَدْرَ وارتفعَ وغَلا في الكفر. وكل مجاوز حدَّه في العصيان طاغ.
و طغى الماء والبحر : هاجت أمواجه، وكل شيء جاوز القَدْرَ فقد طغى كما طغى الماء على قوم نوح، وكما طغت الصيحة على ثمود.
و الطاغوت : يقع على الواحد، والجمع، والمذكر، والمؤنث، وزنه فعَلوت إنما هو طغيوت، قدمت الياء قبل الغين وهو مفتوحة وقبلها فتحة، فقلبت ألفا، فصار طاغوت.
و جمع الطاغوت : طواغيت، وفي الحديث : "لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطوغي، وفي الآخر : ولا بالطواغيت"، فالطواغي جمع طاغية، وهي ما كانوا يعبدونه من الأصنام وغيرها ، ومنه : هذه طاغية دَوْس وخثعَم أي صنمهم ومعبدهم، ويجوز أن يكون أراد بالطواغي من طغى في الكفر وجاوز الحدَّ، وهم عظماؤهم وكبراؤهم .
ـ الطاغوت اصطلاحاً :
أقوال أهل العلم في الطاغوت :
1ـ ابن جرير الطبري: والصواب من القول عندي في "الطاغوت"، أنه كل ذي طغيان على الله، فقبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، إنسانا كان ذلك المعبود، أو شيطانا، أو وثنا، أو صنما، أو كائنا ما كان من شي.
و أرى أصل "الطاغوت"، الطغووت من قول القائل : طغا فلان يطغو، إذا عدا قدره فتجاوز حده .
2ـ ابن تيمية : الطاغوت فعلوت من الطغيان، والطغيان : مجاوزة الحد وهو الظلم والبغي. فالمعبود من دون الله إذا لم يكن كارها لذلك طاغوت، ولهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام طواغيت في الحديث الصحيح لما قال : "و يتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت".
و المطاع في معصية الله، والمطاع في اتباع غير الهدى ودين الحق سواء كان مقبولا خبره المخالف لكتاب الله، أو مطاعا أمره المخالف لأمر الله هو طاغوت، ولهذا سمى من تحوكم إليه من حاكم بغير كتاب الله طاغوت، وسمى فرغون وعاداً طغاة …
3ـ ابن القيم : الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله ، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم عدلوا من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى طاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته .
قلت : هذا حال الناس في عهد ابن القيم - رحمه الله - قبل أكثر من سبعمائة عام، فكيف لو رأى ابن القيم الناس في زماننا، فماذا تراه يقول..؟!
4ـ القرطبي : الطاغوت الكاهن، والشيطان، وكل رأس في الضلال .
5ـ النووي : قال الليث، وأبو عبيدة، والكسائي، وجماهير أهل اللغة : الطاغوت كل ما عبد من دون الله تعالى .
6ـ محمد بن عبد الوهاب : الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله ورضي بالعبادة من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله فهو طاغوت .
7ـ الشنقيطي : والتحقيق أن كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت، والحظ الأكبر من ذلك للشيطان، كما قال تعالى : ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان .
8ـ عبد الرحمن، بابطين : الطاغوت يشمل كل معبود من دون الله، وكل رأس في الضلال يدعو إلى الباطل ويحسنه، ويشمل أيضا : كل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله، ويشمل أيضا : الكاهن، والساحر، وسدنة الأوثان الداعين إلى عبادة المقبورين وغيرهم، بما يكذبون من الحكايات المضلة للجهال.. وأصل هذه الأنواع كله وأعظمها : الشيطان، فهو الطاغوت الأكبر، والله سبحانه وتعالى أعلم .
9ـ المودودي : المراد من الطاغوت كل فرد أو طائفة أو إدارة تبغي وتتمرد على الله، وتجاوز حدود العبودية وتدعي لنفسها الألوهية والربوبية.
و قال : ومعنى الطاغوت في اصطلاح القرآن ، كل دولة أو سلطة، وكل إمامة أو قيادة تبغي على الله وتتمرد، ثم تنفذ حكمها في أرضه وتحمل عباده على طاعتها بالإكراه أو بالإغراء أو بالتعليم الفاسد.
فاستسلام المرء لمثل تلك السلطة وتلك الإمامة والزعامة، وتعبُّده لها ثم طاعته إياها، كل ذلك منه عبادة - ولا شك - للطاغوت .
10- سيد قطب : والطاغوت صيغة من الطغيان، تفيد كل ما يطغى على الوعي ويجور على الحق، ويتجاوز الحدود التي رسمها الله للعباد، ولا يكون له ضابط من العقيدة في الله، ومن الشريعة التي يسنها الله، ومنه كل منهج غير مستمد من الله، وكل تصور أو وضع أو أدب أو تقليد لا يستمد من الله.
إن الطاغوت هو كل سلطان لا يستمد من سلطان الله، وكل حكم لا يقوم على شريعة الله، وكل عدوان يتجاوز الحق، والعدوان على سلطان الله وألوهيته، وحاكميته هو أشنع العدوان، وأشده طغيانا، وأدخله في معنى الطاغوت لفظا ومعنى.. وأهل الكتاب لم يعبدوا الأحبار والرهبان ، ولكن اتبعوا شرعهم فسماهم الله عبادا لهم، وسماهم مشركين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، فهم عبدوا الطاغوت أي السلطات الطاغية المتجاوزة لحقها، وهم لم يعبدوها بمعنى السجود والركوع، ولكنهم عبدوها بمعنى الاتباع والطاعة، وهي عبادة تخرج صاحبها من عبادة الله ومن دين الله .
11- محمد حامد الفقي : والذي يستخلص من كلام السلف رضي الله عنهم : أن الطاغوت كل ما صرف العبد وصده عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله. سواء في ذلك الشيطان من الجن والشيطان من الإنس، والأشجار والأحجار وغيرها. ويدخل في ذلك بلا شك الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال، وليبطل بها شرائع الله من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك، مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذيها. والقوانين نفسها طواغيت، وواضعوها ومروجوها طواغيت، وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إما قصدا أو عن غير قصد من واضعه، فهو طاغوت .
خلاصة ما تقدم نقول :
إن الطاغوت هو كل ما عبد من دون الله - وهو راض بذلك - ولو في جزئية أو مجال من مجالات العبادة، فمن يُعبد من جهة الحب والموالاة والمعاداة فهو طاغوت، ومن يُعبد من جهة الطاعة والاتباع والتحاكم فهو طاغوت، ومن يُعبد من جهة الدعاء والخشية والنذر والنسك فهو طاغوت، ومن يُعبد من جهة الإقرار له بخصائص الإلهية أو بعضها فهو طاغوت.
و مما يندرج كذلك في مسمى الطاغوت، الشرائع والقوانين، والدساتير والمناهج المضاهية لشرع الله. وكذلك كل إمام في الكفر والفساد والإضلال فهو طاغوت.
المرجع : كتاب الطاغوت ( 57 - 63 ) .
الشيخ : عبدالمنعم مصطفى حليمة .