12- الإنسانية :
عندما تصبح "الإنسانية" شعارا يعقد عليه الولاء والبراء، وتقدم في سبيله القرابين والأرواح، وعلى أساسه يُعلن الحرب أو السلم، فالإنسانية بهذه الصورة تعتبر طاغوتا يعبد من دون الله.
و الإنسانية - كما بُقدم للشعوب في هذا العصر - تعني أن الناس كلهم سواسية في الحقوق والواجبات، وإن اختلفت انتماءاتهم الدينية والعقدية، فيستوي فيها أتقى الناس وأحسنهم خلقا مع أفجر الناس وأكفرهم، ولا فرق بينهما ما داما ينتميان إلى الأصل البشري الإنساني . وهذا قول معلوم من الدين بالضرورة بطلانه، ولا يقول به إلا كافر مارق من الدين، لأن مفاده مساواة سيد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مع رأس الكفر والضلال أبي جهل.
و من غلو القوم في "الإنسانية" أنهم جعلوها غاية لكل عمل يقومون به، فلو أن أحدهم يقوم بأي عمل من الأعمال الخيرة فهو يقول بها في سبيل الإنسانية، فلو تبرع بشيء من ماله فهو يتبرع للإنسانية وفي سبيل الإنسانية، ولو قاتل فهو يقاتل في سبيل الإنسانية، ولو قُتل فهو يُقتل في سبيل الإنسانية، وهكذا كل شيء يقوم به فهو في سبيل الإنسانية المزعومة، فالإنسانية إله يعبد عندهم من دون الله.
13- الشعب :
عندما يكون الشعب مصدر السلطات بما في ذلك السلطة التشريعية، ويكون له الأمر والاختيار فيمن يحكم البلاد، والقانون الذي يطبق في الأرض، حتى ولو وقع اختياره على قانون الجاهلية فيطبق نزولا عند رغبة وإرادة الشعب !!
فالشعب في هذه الصورة طاغوت ومعبود من دون الله، وذلك من أوجه :
منها، رد السلطة التشريعية إليه، وجعله ندا لله تعالى في خاصية الحكم والتشريع، وقد تقدمت الأدلة على هذا النوع من الإشراك.
يقول سيد قطب رحمه الله : والأمة في النظام الإسلامي هي التي تختار الحاكم فتعطيه شرعية مزاولة الحكم بشريعة الله، ولكنها ليست هي مصدر الحاكمية التي تعطي القانون شرعيته، إنما مصدر الحاكمية هو الله. وكثيرون حتى من الباحثين المسلمين يخلطون بين مزاولة السلطة وبين مصدر السلطة، فالناس بجملته لا يملكون حق الحاكمية إنما يملكه الله وحده، والناس إنما يزاولون تطبيق ما شرعه الله بسلطانه، أما ما لم يشرعه الله فلا سلطان له ولا شرعية، وما أنزل الله به من سلطان .
و منها، طاعته لذاته في معصية الله، والنزول عند رغبته فيما يشير ويحكم، وإن أشار وأمر بالكفر البواح..!!
و منها، تقديم إرادة الشعب على إرادة الله تعالى، والنظر إلى الشعب على أنه سلطة عليا ترد إليه المنازعات عند الاختلاف ، يجب التسليم لحكمه من غير تعقيب أو تقديم، وهذه هي الإلهية والربوبية التي لا تجوز إلا لله رب العالمين.
ـ تنبيه :
اعلم أن حكم الشعب ليس حكم الله وإن حكم بشريعة الإسلام وأصاب الحق، وذلك من وجهين:
أولهما : أن تطبيق شريعة الإسلام هو في الحقيقة نزول عند رغبة الشعب وإرادته، وليس انصياعا لأمر الله وإرادته، بدليل أن الشعب لو اختار فيما بعد الحكم بشريعة غير شريعة الإسلام، فإنها تُطبق وتحل محل شريعة الإسلام من غير إنكار أو اعتراض من أحد، لأن الجميع قد تعارفوا فيما بينهم على أن الحكم للشعب، وأن مرد الأمر له، فله أن يحكم ما يشاء بما يشاء…!!
أما الوجه الثاني فقد تقدم أن قضية الحكم والتحاكم هي من الله إلهية وربوبية، ومن العباد عبودية وطاعة وتوحيد، فالغاية العظمى من قضية التحاكم إلى شرع الله هي تحقيق عبودية العباد لله تعالى في هذا الجانب، وهذا لا يتحقق جراء الحكم بما أنزل الله طاعة للشعب ونزولا عند إرادته ورغبته، بل يتحقق العكس وهو عبادة الشعب من دون الله، لأن التحاكم في حقيقته يكون إلى الشعب وليس إلى الله كما تقدم.
يقول سيد قطب رحمه الله : فالناس ليسوا هم الحكم في الحق والباطل، وليس الذي يقرره الناس هو الحق، وليس الذي يقرره الناس هو الدين.. إن نظرة الإسلام تقوم ابتداء على أساس أن فعل الناس لشيء وقولهم لشيء، وإقامة حياتهم على شيء لا تحيل هذا الشيء حقا إذا كان مخالفا للكتاب، ولا تجعله أصلا من أصول الدين، ولا تجعله التفسير الواقعي لهذا الدين، ولا تبرره لأن أجيالا متعاقبة قامت عليه…
و لا يكفي إذن أن يتخذ البشر لأنفسهم شرائع تشابه شريعة الله أو حتى شريعة الله نفسها بنصها إذا هم نسبوها لأنفسهم ووضعوا عليها شاراتهم ولم يردوها لله، ولم يطبقوها باسم الله إذعانا لسلطانه واعترافا بألوهيته وبتفرده بهذه الألوهية، التفرد الذي يحرر العباد من حق السلطان والحاكمية إلا تطبيقا لشريعة الله وتقريرا لسلطانه في الأرض .
14- الأكثرية في بعض صورها :
من إفرازات الديمقراطية - التي أصبحت دينا متبعا لكثير من الناس - اعتماد حكم الأكثرية مطلقا، والرضى باختيارها أيّاً كان نوعه، سواء وافق الحق أم غير ذلك. فحكم الأكثرية - في نظر القوم - نافذ وواجب الاتباع ولو كان مؤداه إلى مخالفة حكم الله ورسوله !!
و لا شك أن الأكثرية في هذه الصورة المتبعة تعتبر طاغوتا وندا يعبد من دون الله تعالى.
و عبادتها تكمن من جهة التحاكم إليها، والإقرار لها بخاصية الحكم لذاتها وطاعتها في ذلك، وكذلك التعامل معها على أنها جهة عليا لا يجوز رد حكمها أو التعقيب عليه بشيء من الاعتراض أو عدم الرضى.
و هذا - كما تقدم - لا يجوز صرفه إلا لله تعالى وحده، فالله هو الحكم وله الحكم وحده، وهو الذي لا يجوز التعقيب على حكمه بشيء من الاعتراض أو التقديم الذي ينم عن عدم الرضى والتسليم.
المرجع : كتاب الطاغوت .
الشيخ : عبدالمنعم مصطفى حليمة .