هيا بنا نتدبر هذا الكلام لابن القيم فى كتابه
[ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية]
[قال ابن عقيل فى الفنون : جرى فى جواز العمل فى السلطنة بالسياسة الشرعية : انه هوالحزم , ولا يخلو من القول به امام ,
فقال شافعى : لا سياسة الا ما وافق الشرع.
فقال ابن عقيل : السياسة ما كان فعلا يكون معه الناس اقرب الى الصلاح , وأبعد عن الفساد , وان لم يضعه الرسول صلى الله عليه وسلم , ولا نزل به وحى . فإن اردت بقولك : [الا ما وافق الشرع ] اى لم يخالف ما نطق به الشرع ,فصحيح , وان اردت لا سياسةالا ما نطق به الشرع , فغلط ,وتغليط للصحابة :
فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والتمثيل ما لا يجحده عالم بالسنن , ولو لم يكن الا تحريق المصاحف , فإنه كان رأيااعتمدوا فيه على مصلحة الامة , وتحريق علىّ رضى الله عنه الزنادقة , فى الاخاديدفقال :
انى اذا شاهدت امرا منكرا , اججت نارا ودعوت قنبرا
ونفى عمر رضى الله عنه لنصر بن الحجاج ]
ويعلق ابن القيم على هذا الكلام فيقول :
وهذا موضع مزلةاقدام , ومضلة افهام , وهو مقام ضنك , ومعترك صعب , فرط فيه طائفة , فعطلوا الحدود , وضيعوا الحقوق , وجرءوا اهل الفجور على الفساد , وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد , محتاجة الى غيرها ,وسدوا على نفوسهم طرقا صحيحة , من طرق معرفةالحق , والتنفيذ له , وعطلوها مع علمهم وعلم غيرهم قطعا انها حق مطابق للواقع , ظنامنهم منافاتها لقواعد الشرع , ولعمر الله انها لم تناف ما جاءبه الرسول صلى الله عليه وسلم , وان نافت ما فهموه من شريعته باجتهادهم , والذى اوجب لهم ذلك : نوع تقصير فى معرفة الشريعة , وتقصير فى معرفة الواقع , وتنزيل احدهما على الآخر , فلما رأى ولاة الامور ذلك , وان الناس لا يستقيم لهم امرهم الا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة , احدثوا من اوضاع سياستهم شرا طويلا , وفسادا عريضا , فتفاقم الامر وتعذر استدراكه , وعز على العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك , واستنقاذها من تلك المهالك ,
وافرطت طائفة اخرى قابلت هذه الطائفة , فسوغت من ذلك ما ينافى حكم الله ورسوله , وكلا الطائفتين اتيت من تقصيرها فى معرفة ما بعث الله به رسوله وانزل به كتبه , فان الله ارسل رسوله وانزل كتبه ليقوم الناس بالقسط , وهو العدل الذى قامت به الارض والسموات , فاذا ظهرت امارات العدل واسفر وجهه بأى طريق كان , فثم شرع الله ودينه ,
والله سبحانه اعلم و احكم واعدل ان يخص طرق العدل واماراته واعلامه بشيء ثم ينفى ما هو اظهر منها واقوى دلالة , وابين امارة , فلا يجعله منها , ولا يحكم عندوجودها وقيامها بموجبها , بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق ان مقصوده اقامة العدل بين عباده , وقيام الناس بالقسط , فأى طريق استخرج بها العدل والقسط فهى من الدين , وليست مخالفة له , فلا يقال ان السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع , بل هى موافقة لما جاء به , بل هى جزء من اجزائه , ونحن نسميها سياسة تبعا لمصطلحهم , وانما هى عدل الله ورسوله , ظهر بهذه الامارات والعلامات]