شرعية الدور :
المقدمة :
داخل دار الإسلام أو دار الإسلام بالمعنى العام توجد تجمعات لها صفة الشرعية وتجمعات ليست لها صفة الشرعية فما هي الشرعية؟
الشرعية هي الجماعة والجماعة راجعة إلى أمرين: -
1 - تحقيق معنى الاجتماع 2- الالتزام بالكتاب والسنة
ومعنى الجماعة راجع أو مأخوذ من قولة تعالى في سورة آل عمران (واعتصموا بحبل الله جمعيا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) 103 الآية
1 - أي لو وجد التزام بالكتاب والسنة منفردا وبدون الاجتماع عليهما لا يعطى معنى الشرعية ولا معنى الجماعة لماذا ؟ لأنه تفرق على السنة منفردا
2- ولو وجد اجتماع ولكن على غير الكتاب والسنة لا يعطى معنى الجماعة وفى الآية المذكورة عاليه حبل الله هو القرآن والسنة فإذا اعتصم كل منا بحبل الله بمفرده ولم يجتمع مع أخيه على حبل الله فهذا لا يعطى معنى الجماعة ولذلك يقول الله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) فكلمة جميعا تفيد التأكيد أي أن كلا منكم يلتزم بحبل الله والأمر والخطاب لكم جميعا أي يجتمع أمركم على حبل الله
• لهذا فلابد من الاجتماع ويكون الاجتماع والاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله " صلى الله علية وسلم " وهذا يعطى معنى الجماعة والشرعية وبهذا تكون الجماعة ملزمة وواجبة الإتباع وولى الأمر فيها ولى شرعي لذلك يقول الحديث فيما معناه ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهريين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم يقاتلون علية حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك) وهنا: قال طائفة ولم يقل فرد فعند شرح الحديث هذا الحديث ليس غيبي فهو خبري وتكليفي لأنه يخبر بأن هذا سيحدث وسيستمر وأن هذه الجماعة مكفولة البقاء
والتكليف هنا : 1 - الالتزام بالسنة 2 - الاجتماع عليها 3 - القتال دونها
وذلك لنص حديث الرسول الله صلى الله علية وسلم
الثلاث أوصاف الالتزام بالسنة والاجتماع عليها والقتال دونها هو الذي أعطى للطائفة معنى الطائفة أو معنى الأمة وهو المعنى كما فى قوله تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " أل عمران 104
والسؤال : ما معني الالتزام بالسنة فما هي السنة ؟
السنة مأخوذة من حديث الفرق حيث سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية فقال في رواية هي الجماعة وقال في رواية أخرى "ما أنا عليه وأصحابي "
إذن الاجتماع على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الجماعة وهو الذي يعطى الشرعية وما كان عليه وأصحابه مدون ومشهور ومنقول فليس أمرا يدعيه كل إنسان فهو أمر ثابت ومكتوب ومعروف
ثم إن مصالح المسلمين اتسعت بعد الصحابة رضوان الله عليهم فظهر علماء كالشافعي ومالك وأحمد وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن المبارك وابن خزيمه والأوزاعي ومسلم والبخاري وسفيان الثوري وغيرهم كثير فقد توسعوا في العلم عما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لكنهم راجعين إلى أصولهم وهى السنة والسنة ثلاث مراتب
1 السنة المحضة 2 سنة أهل الإتباع 3 - السنة العامة
1- دور داخل نطاق الاسلام وداخل نطاق الشرعية :
أولا: دار السنة المحضة
السنة المحضة هي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويؤخذ منها المقياس للصواب والخطأ فعندما يختلف العلماء في مسألة ما يرجعون إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسنة المحضة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها وهى الحق المحض الذي ليس فيه باطل وهى ملزمة وهى سنة المقياس وعلى قمة الحق والخروج عليها مروق من الدين .
فمن يوجد له سلف فيما أجتهد فيه عند الصحابة إذن كلامه صواب وقوله حجة على مخالفه أما الذي لا يوجد له سلف في علم الصحابة ومخالفه له سلف في علم الصحابة إذن مرجوح أو خطأ مخالفه له الحجة عليه
إذن معنى ذلك أن جماعة الصحابة هي جماعة المقياس أو السنة المحضة هي جماعة المقياس الذي يعرف به الصواب من الخطأ لأننا عندما نختلف على أي أمر كيف سنعرف الخطأ من الصواب نعرف ذلك كما يقول شيخ الإسلام ابن تيميه:
( توحيد الأئمة وسلف الأمة وما دلت علية نصوص الكتاب والسنة )
• الكتاب والسنة مصدران نقليين وأقوال العلماء الذين هم أئمة المسلمين وما كان علية سلف الأمة الذي هو القرون الثلاثة الأولى المفضلة وهو العلم المنقول نقل الكافة عن الكافة عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه هي المصادر التي يعرف بها الصواب من الخطأ فعندما نختلف في فهم أي شيء فهذا هو المعنى في الآية (فان تنازعتم في شيئا فردوه إلى الله ورسوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) النساء 59
فنرده بأن نرجع إلى الأصول فأول مقياس هو معرفة اللغة العربية وتصرفات الشارع في أحكامه وتصرفات العرب في كلامهم وأصول الفقه الذي يعرف به الدلالات والألفاظ والعبارات والمعاني ومعرفة هذا المقياس والعمل به من الهداية المذكورة في الآية ( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ....... ) سورة البقرة 213 فهو مقياس يعرفون به الصواب والخطأ وكل هذه المسائل فعلماء الأصول الذين يقررون المعنى صواب أم خطأ ثم إذا لم يتفقوا يرجعوا إلى كلام الأئمة وإذا لم يتفقوا يرجعوا إلى كلام سلف الأمة وهو مأخوذ عن الصحابة فالذي يوافق دلالات الكتاب وكلام الأئمة وكلام سلف الأمة هو الصحيح والذي يخالف هذا هو الخطأ.
ثانيا : دار السنة أهل الإتباع
سنة أهل الإتباع : وهو علم الأئمة الذين تلقتهم الأمة بالقبول وذلك مثل من نقل عنهم الشيخ محمد بن عبد الملك الكرخي الشافعي في كتابه الذي سمَّاه ”الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول“ فذكر منهم: الشافعي ومالك والثوري وأحمد وابن عيينة وابن المبارك والأوزاعي والليث بن سعد وإسحاق بن راهوية والبخاري وأبو زرعة وأبو حاتم ونقول: وغيرهم أيضًا كثيرون ممن جمع أو انتهى إليه علم السلف من أهل الفقه والحديث وهؤلاء لا يخرج الحق عنهم واجتهادات هؤلاء ترجع إلى أصول الصحابة.
وكذلك هى مسائل اجتهادية قامت على أصول السنة المحضة وفيها الراجح والمرجوح وفيها الصواب والخطأ ولا تخلوا من الحق وهى مقياس على غيرها وهى لهذا : من الممكن أن تفهم الكتاب والسنة بفهم معين وأنا أفهمها بفهم أخر فما الذي يحسم الخلاف بيني وبينك ؟
(فهم الأئمة الكبار من أهل العلم ) فهم تعاملوا مع نفس النصوص فهل أقوالهم تتفق مع ما أقوله أو مع ما تقوله أنت أو قولي له أصول وقولك له أصول فالذي يحسم الخلاف فهم أهل العلم الكبار ولذلك نردد ما قاله الإمام ابن تيمية "توحيد الأئمة وسلف الأمة وما دلت عليه نصوص و الكتاب والسنة " فهذه أربع مصادر
1 - القرآن 2- السنة مصدران نقليان
3 - أقوال العلماء الذين هم أئمة المسلمين
4 - ما كان علية سلف الأمة وهو خير القرون الثلاثة ولذلك
والسنة المحضة هي سنة الخلافة الراشدة وعلى مناهج النبوة وهى مقياس
على غيرها وهى الحق المحض الذي لا يأتيها الباطل ولا الشك
سنة أهل الإتباع هي مسائل اجتهادية قامت على أصول السنة المحضة وفيها الراجح والمرجوح والصواب ولا تخلوا من الحق وهى سنة أهل الإتباع وأئمة المسلمين الكبار ولذلك: السنة المحضة وسنة أهل الإتباع على قمة الحق والخروج عليهما مروق من الدين أي كفر فهما على قمة الصواب والحق والدين والشرع وهما خير القرون القرون الثلاثة الأولى وعلى خير وجه والخروج عليهما خروج من الدين
ثالثا : دار السنة العامة
السنة العامة: وهى «خير وفيه دخن» وخيره سنة أهل الاتباع والسنة المحضة. ودخنه
1- ما يدخل على العقائد من علم الكلام بما يقرب ولا يتباعد عن مذاهب أهل السنة.
2- الابتداع الجزئي في العمليات والعبادات.
3- مناحي التقصير في المجتمعات عما كان عليه الصدر الأول.
4- شيوع بعض أوجه الإثم في المجتمعات.
5- دخول بعض الأثرة والجور في الولايات.
والخروج عن السنة يكون:
1- بالابتداع في أصل كلي من الدين.
2- بما يدخل على العقائد من علم الكلام بما يتباعد عن مذاهب أهل السنة ويتعارض معها.
3- الفرقة والانقسام. 4- غلبة الفسق على المجتمعات.
وأصحاب الكلام والخوض إذا لم يتباعدوا بكلامهم وخوضهم عن أصول السنة كثيرًا، ولم تنته بهم بدعة الكلام إلى ابتداعات في أصول كلية من الدين فهم من دخن السنة العامة ولا يدخلون في وصف الفرق وإذا انتهى كلامهم إلى ابتداعات في أصول كلية من الدين دخلوا في وصف أهل البدع ودخلوا بذلك في وصف الفرق.
• وأهل الكلام الذين لم يدخلوا في وصف الفرق لقربهم من عقائد أهل السنة ولمحاولتهم التوفيق بين مقرراتهم وبين النصوص إذا أقاموا الدولة والجماعة على أصولهم دخلوا في حكم أئمة الجور ولا يخرجون عن الشرعية الإسلامية ولكن يجوز الخروج عليهم.
• ويرجع ذلك إلى قاعدة الشريعة في دفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، مفسدة الصبر على الانحراف ومفسدة وقوع الفتنة، فإذا أمنت الفتنة جاز الخروج وإذا أمكن التغيير بالطرق الشرعية وجب التغيير، أما إذا لم يمكن التغيير بالطرق الشرعية وخيفت الفتنة وجب الصبر.
• أما إذا ضمُّوا إلى بدعة الكلام مصادرة السنة وأهلها وفرض بدعتهم على الأمة بالقهر والجبر خرجوا عن الشرعية الإسلامية التي توجب لهم السمع والطاعة.
أمثلة من التاريخ الإسلامي : ودار السنة العامة كما نعلم فيها ولاة جور وظلم أو بغى وعدوان أو شيوع بعض المعاصي أو فجور وآثام لكن لا تذهب إلى حد البدعة(الابتداع الكلى ) وفيها ابتداع جزئي وأوجه تقصير أو قصور عما كان عليه صدر الإسلام والسلف الصالح وذلك مثل ما كان بعد الخلفاء الراشدين سنة بني أمية التي فيها خير وفيها دخن وتعرف منهم وتنكر وسنة بني العباس والسنة العامة راجعة إلى قاعدة الشريعة
مثال آخر من التاريخ الإسلامي : - عندما ذهب العمري وهو من سلالة عمر يطلب البيعة لنفسه خروجا على المنصور وذهب إلى الإمام مالك فقال له : ألا ترى ما عليه المنصور من الظلم وكذا فذكر له قصة عمر بن عبد العزيز وقال له أن عمر بن عبد العزيز كان ينوى تولية القاسم بن محمد فعدل عنه إلى يزيد بن عبد الملك لأنه لو كان ولى القاسم مع وجود يزيد ويزيد معروف في الأسرة الأموية بأن له ولاية عهد لكان خرج يزيد بجيشه وحارب القاسم وهنا تقع فتنة وهؤلاء أهل شوكة فعدل عن الراجح إلى المرجوح حرصا على وحدة المسلمين وعدم تعريض وحدة المسلمين للفتنة
إذن الإمام لم يقل له ليس من حقك أن تخرج على المنصور ولكن أرجعه إلى قاعدة الشريعة وهى (دفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما )
ولهذا : التعامل مع السنة العامة حسب قاعدة الشريعة فإذا كانت مفسدة الخروج أعظم تصبر وإذا كانت مفسدة البقاء أعظم تخرج
لكن السنة العامة لها شرعية أو ليس لها شرعية ما دام كلمة سنة عامة فلا يجوز بأي حال من الأحوال تعريض وحدة المسلمين للفتنة أو التفرق
2- دور داخل نطاق الإسلام وخارج نطاق الشرعية
1- دار البدعة 2- دار الفسق 3- دار الفرقة
وهذه الدور تشترك مع دور السنة في أمرين وهما : -
1 - الاجتماع على الإسلام 2- الانتساب للشرع
ولكن ليس لها شرعية وهذا الذي يفرق بينها وبين دور الكفر لأنهم لا يجتمعون على وطنية ولا قومية ولهذا الدور الثلاثة غير ملزمة لا بالسمع ولا بالطاعة وليست لها شرعية ويجوز الخروج عليها وولى الأمر فيها غير شرعي فعند الاحتجاج على دار الكفر بأن ليس لها شرعية لماذا ؟
لأن الشاطبي يقول "الجماعة راجعة للاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة فما كان خارجا عن الكتاب والسنة كالخوارج والروافض وما جرى مجراهما فلا يدخل في معنى الجماعة .
• فإن هؤلاء راجعين للاجتماع على الإسلام والانتساب للشرع ولا يدخلون في معنى الجماعة فمن باب أولى الذين خرجوا عن الاجتماع على الإسلام والانتساب للشرع ولا يدخلون في معنى الجماعة
دور خارج نطاق الشرعية وداخل نطاق الإسلام
أولا : دار البدعة
1 - بنية النظام وبنية الاجتماع قائمة على ابتداع في أصل كلى من الدين أو على أساس البدعة وغلبة البدعة وشيوعها واستشراؤها في المجتمعات وتغلغل المعتقدات الفاسدة فيها وإن لم يقم النظام على أساس البدعة .
إذا كانت الدار قائمة على ابتداع في أصل كلى من الدين وبنية النظام وبنية الاجتماع قائمة على هذا الابتداع أي قائمة على أصل أو بدعة الاعتزال أو أصل أو بدعة الرفض أو التجهم أو الخروج أي الفرق شديدة الابتداع ولكن لم تكفر ببدعتها ولكنها ابتدعت في أصل كلى من الدين فإذا كانت الدار والنظام قائم على هذا الابتداع فتعتبر دار بدعة وليس لها صفة الشرعية وبذلك تكون غير ملزمة بالسمع والطاعة والحاكم فيها ليس ولى أمر شرعي وهذا كما قال الإمام الشاطبى (أن الجماعة راجعة على الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة ) فما كان كذلك فهذا يعتبر خارج عن الشرعية والذي هو ابتداع في أصل كلى من الدين )
فالاجتماع القائم في أي دار على هذا الوضع لا يدخل في معنى الجماعة وبالتالي لا تكون جماعة ملزمة لا بالسمع ولا بالطاعة
لذا تكون أحاديث الجماعة التي وردت في غير هذا الوصف وإمام هذه الجماعة ليس هو ولى الأمر الشرعي لأنها اجتمعت على ابتداع في أصل كلى من الدين ورغم أنها مجتمعة على الإسلام ككل لكن داخلها الهوى في هذا الانتساب ومثال ذلك الدولة الصفوية التي قامت على أساس بدعة الرفض فكان ُيسب فيها الصحابة على المنابر ورغم ذلك تعتبر دار بدعة ومثال أخر إيران حاليا.
2 - أن تقوم الدار على أساس السنة العامة ثم يحدث أن تخترق الممارسات الشركية في العبادة وتخترق البدعة خواص الدار وعوا مها وأئمتها وتصل أحيانا إلى الخروج عن الملة في بعض الجماهير فالدار بهذه الصفة دار بدعة
ومعنى ذلك :
أن الاجتماع قائم على السنة مثل ما حدث مع الدولة العثمانية وفى أواخر عهدها فقد كانت منتسبة إلى السنة والاجتماع قائم على أساس السنة العامة ولكن أغلب الناس عندهم ابتداعات صوفية وابتداعات شركية في العبادات وما إلى ذلك فغلب على الناس البدعة حيث اخترقت وأخترمت المجتمعات جميعا خواصها وعوا مها وأئمتهم إلا من رحم ربك فهذه الدار دار بدعة بالرغم من قيامها على أساس السنة العامة
وقد يكون الابتداع في بنية النظام والاجتماع أو عقائد الناس وفى كلا الأمرين تأخذ الدار صفة دار البدعة
3– أهل الكلام الذين لم يدخلوا في وصف الفرق لقربهم من عقائد أهل السنة ولمحاولتهم التوفيق بين مقرراتهم وبين النصوص إذا أقاموا الدولة والجماعة على أصولهم دخلوا في حكم أئمة الجور ولا يخرجون عن الشرعية الإسلامية ولكن يجوز الخروج عليهم.
ويرجع ذلك إلى قاعدة الشريعة في دفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما،كما ذكرنا من قبل ،، أما إذا ضمُّوا إلى بدعة الكلام مصادرة السنة وأهلها وفرض بدعتهم على الأمة بالقهر والجبر خرجوا عن الشرعية الإسلامية التي توجب لهم السمع والطاعة.بهذا تتحول الدار من دار سنة عامة لها شرعية إلى دار بدعة ليس لها شرعية
فإذا وجدت ابتداعات جزئية أو جور في الحكم أو فسق في الاعتقاد في بنية النظام والقائمين علية وأجبروا الناس على هذا وتعقبوا أهل السنة والحق وصادروا حريتهم وحركتهم فهذا .كما قال الإمام ابن تيمية في مناقشة فرقة الاشاعرة في الرسالة التسعينيه قال : أن الاشاعرة لا يعتبرون دار بدعة ولكن دار سنة من السنة العامة خير وفيه دخن والدخن أما أن يكون ابتداع جزئي أو جور في الحكم مثل بني أمية أو بني العباس أو يكون فسق في الاعتقاد مثل الفرق الكلامية المختلفة كالا شاعرة وغيرهم من الفرق التي بدعتهم قريبة من أهل السنة ومن عقائد أهل السنة ولكن إذا كان المتسلطين على النظام والقائمين عليه وولاة الأمر يلزمون الناس بهذه البدعة ويصادرون أراء أهل السنة وُيحجرون على أرائهم ولا يتركون الناس بحرية في اعتقادهم كما يريدون ويطاردونهم ويتعقبونهم ولا يسمحون لهم أن يبلغوا الناس السنة الصحيحة فهذه الدار بهذه الصفة تأخذ صفة دار البدعة رغم أنها قامت على أساس السنة العامة "خير وفية دخن " وبذلك يكون ولى الأمر فئ هذه الدار ليس له شرعية وليس له واجب السمع والطاعة.
فهذه هي دار البدعة ولا تكون الدار دار بدعة إلا بأحد هذه الأوصاف الثلاثة متفرقة أو مجتمعة وبذلك تكون قد خرجت من الحد الأدنى للسنة ودخلت في وصف البدعة وهذه الدار لم تكفر ببدعتها وهذا الذي يفرقها عن دار الردة إلى بدعة مكفرة
ثانيا : دار الفسق
داخل دار الإسلام والتي هي دار السنة يوجد فيها معاصي وقد يكون فيها أحيانا شيوع بعض من الآثام والمعاصي فهذا لا يخرج عن نطاق السنة ولكن متى يصل حجم المعصية إلى الدرجة التي ُتخرج الدار عن السنة العامة وتكون غير ملزمة بالسمع والطاعة وولاة الأمر فيها ليس لهم حق الشرعية فمتى يحدث هذا ؟
يحدث هذا وتتحول الدار من السنة العامة إلى دار الفسق إذا وجد أحد هذه الأمور:
1 - استحسان المعاصي وجريانها مجرى البدع واختلال القيم.
بحيث يصير المعروف منكرا والمنكر معروفا بمعني إستعلان المنكر واستقراره بلا تغيير فعند ذلك تأخذ الدار صفة دار الفسق واستحسان المعاصي مثلما يقال للرجل ما أجلده وما أظرفه وليس في قلبه حبة خردل من الإيمان فبعد أن كانت القيم الأولى هي الأمانة والإيمان أصبحت المعاصي والفجور.
ومن القيم المختلة المكوس و الإتاوات فالذي يسرق أو يقتل أو ينهب هذه الأمور معاصي وليس بدع ولكن عندما يفرض شخص على الناس إتاوات أو مراسيم بدون وجه حق ويجعلها مثل الزكاة المفروضة ولها محصلين ومن يؤخرها توضع عليه غرامة وتؤخذ من الناس قسرا ولها مواسم وحدود ولها أنصبة ففي هذه الحالة جرت مجرى الزكاة المفروضة وبهذا وضعت على مضاهاة التشريع فصارت ممنوعة من جهتين من جهة المعصية ومن جهة أنها تشريع زائد وضع على مضاهاة التشريع فأصبحت بدعة
وكذلك مثل القتل رهبة أو سياسة مثل الخمسة عشر خصلة التي تكلم عنها الإمام الشاطبى في الاعتصام أنهم يجرون في أخر الزمان ومنهم (أن تصير الصدقة مغرما والأمانة مغنما ويبر الرجل صديقه ويجفو أباه وتعلو الأصوات في المساجد وتضرب القينات بالمعازف وأن يلعن أخر الأمة أولها .......الخ إلى أخر الحديث رواه الإمام على رضي الله عنه وذكر فيه خمسة عشر خصلة فهذه ليست معاصي ولكنها معاصي وضعت على مضاهاة التشريع فصارت بدعا مثل الحيل.
2 - شيوع الحيل بين المحكومين وبين الحكام والمحكومين
الأمر الثاني الذي تصبح به الدار دار فسق هو شيوع الحيل بين الحكام والمحكومين لإسقاط الحقوق الشرعية والحدود والواجبات حتى تصير الشريعة شكلا بلا معني وهى التحايل لإسقاط الحدود كحد الخمر بأن يتحايل شخص ما بشهادة من طبيب أو خلافه أو كالتحايل على العينة وهو بيع العينة أو بيعتين في بيعة أو التحايل على الرضا بصورة البيع فهذه الحيل يعملها الناس لإسقاط الحقوق إما حقوق الشارع أو حقوق العباد بعضهم على بعض فبهذا الأمر تدخل الدار في صفة دار الفسق.
3 - ضعف السلطة التنفيذية وشيوع الحرابة وشيوع التظالم بين الناس ليصل إلى حد الامتناع عن الشرائع وعدم القدرة على إجراء الأحكام الشرعية
الأمر الثالث الذي تصير به الدار دار فسق هو ضعف السلطة التنفيذية وكأن ليس فيها سلطان أي شيوع الحرابة وقطاع الطرق والذين يفرضون على الناس الإتاوات ولهم الظهور والسلطان والشرطة ليس له معهم حيلة فتشيع الحرابة التظالم وبغى الناس بعضهم على بعض وضعف السلطة التنفيذية وشيوع العصابات والإجرام وضعف الأمن حتى يصبح الرجل غير أمن على بيته ونفسه .
وكما نعلم أن الإسلام والسلطان من أجل حفظ الأمن فالرسول صلى الله علية وسلم قال ( حتى تحج الظعينة إلى بيت الله أو يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه )
ولكن إذا ُنزع الأمن والأمان وشاعت الحرابة وضعفت السلطة التنفيذية وامتنع الناس عن تنفيذ الأحكام حتى تقول للرجل الشرع يقول أنا الشرع أي الممتنعين عن الشرائع فهؤلاء تكون بهم الدار دار فسق ويقاتلوا على ذلك .
رغم أنهم لم يرتدوا عن الشرائع ولكن أسقطوا الوجوب مثل نفى الزكاة ولم يبدلوا الشرائع فبالنسبة لهم الشريعة موجودة ولكن لا يقيمون صلاة ولا يؤدون زكاة ولا يرفعون أذانا ولا يخرجون صدقة ويعيشون على السلب والنهب وعصابات في الجبال والسلطة التنفيذية ليس لها سلطة عليهم أي معتصمون في الجبال أو بقوميتهم أو عشائرهم تحميهم أو أماكن بعيدة وممتنعين عن الشرائع فهؤلاء على شفا الكفر فبعد ذلك لا يكون غير الردة عن الشرائع .
لأن هناك ثلاث مراتب وهى
1 - الامتناع : وهذا داخل الإسلام وإن لم يكفر فكأن قد أتى شفا الكفر أي شفا جرف هاري أخر حدود الإسلام
2 - ردة عن الشرائع : وهذه كفر بواح
3 - تبديل الشرائع : وهذا كفر بواح مغلظ وهو الوضع
ولما تقدم : فإن دار الفسق كدار البدعة مجتمعين على الإسلام والانتساب للشرع وبهذا يشتركون مع دار الإسلام من هذه الجهة فقط وهى الاجتماع على الإسلام والانتساب للشرع لأمر عام ويوجد بينهم ناس ملتزمة بالسنة ولكن يوجد فسق والفسق يكون بإباحة أحد الثلاثة أمور المذكورة أنفا .
فالشرع في دار الفسق قائم شكلا لا موضوعا معطل بالحيل معطل بضعف السلطة التنفيذية معطل باستحسان المعاصي وجريانها مجرى البدع .
وبهذا الوصف للدار يكون ولاة الأمر غير شرعيين وليس لهم السمع والطاعة وشرعيتهم غير ملزمة .
ثالثا : دار الفرقة :
1- دور الفرقة: وترجع إلى سيطرة المتغلبين على ممالك المسلمين، وتقسيمها إلى دويلات وإمارات تحت رايات عمية تنافسًا على الدنيا وطلبًا للرياسة والملك، ولم يجز الفقهاء أكثر من إمامين إذا حالت الموانع الطبيعية من إمكان النصرة، وذلك في وقت واحد في الأرض كلها.
والجماعة جماعتان:
1- جماعة التمكين: وهى الدار والخلافة والسلطان.
2- وجماعة العلماء.
وجماعة التمكين ممكنة الانقطاع ويدخل عليها الدخن ولا يجوز فيها التعدد. وجماعة العلماء مكفولة البقاء ولا يصح أن يدخل عليها الدخن وممكن فيها التعدد وهى كل جماعة التزمت السنة واجتمعت عليها وقاتلت دونها ولم تتبع الهوى ولا المتشابه ولم تقع في أعيان البدع ولم تقع بينها العداوة والبغضاء، وهذه الجماعة ليس لها بيعة ولكن عهد وميثاق ولكل غادر مهما كان غدره لواء يُرفع على إسته يوم القيامة «وإذا كنتم ثلاثة فأمِّروا عليكم أحدكم» ومن أُمِّرَ وجبت طاعته بالقيود الشرعية المعروفة. هذا بخصوص شرعية الوضع.
أما شرعية الحكم فيراعى في الحاكم لكي يضم إلى شرعية الوضع شرعية الحكم ويدخل في وصف الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ويبعد عن وصف الجبارية والملك العضوض وهي شروط الحاكم في الإسلام وشنذكرها لاحقا .
ودار الفرقة التي يقاتل أصحابها من أجل قطعة أرض أو بلد والقتال على الملك المحض وأصحاب الرايات العمية وهى الدور التي ذكرت في التاريخ الإسلامي كلٌ يأخذ قطعة أرض يقاتل عليها وهم أصحاب الرايات العمية لا يدرى القاتل فيما َقتل ولا المقتول فيما ُقتل يقاتلون على الملك ولا يقاتلون بتأويل سائغ ولا بتأويل غير سائغ فلا يقاتلون إلا على الملك إذن هنا القاتل والمقتول في النار فهذه هي دور الفرقة التي تفرقت شيئا يقتل بعضها ويأسر بعضها بعضا ويغنم بعضهم أموال بعض التي ذكرت في حديث ثوبان التي ترفع العصمة عند ذلك فيهم ويكون بأسهم بينهم شديد وليس على عدوهم تنتزع منهم الهيبة فلا يخافهم عدوهم بل تسلط عليهم فهذه هي دور الفرقة،، ومن أمثلة هذه الدول الدولة الطولونية والإخشيدية وغيرها في تاريخ المسلمين
والفرقة نوعين :
1 - تفرق على السبيل 2 - التفرق عن السبيل
التفرق على السبيل : هو بدعة ولكن داخل نطاق الإسلام ولكن معصية وموبقة ونازعة للشرعية ولكن لا تنزع صفة الإسلام فهو داخل نطاق الإسلام وخارج نطاق الشرعية.
التفرق عن السبيل : وهى المقصودة في قوله تعالى سورة الأنعام 153
(ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) والتفرق عن السبيل خارج نطاق الإسلام وخارج نطاق الشرعية . ولهذا دار الفرقة من الدور التي ليست لها صفة الشرعية وولاة الأمر فيها غير شرعيين وليست ملزمة بالسمع والطاعة
تعقيب عما سبق
مما سبق يتضح لنا أن الدور التي لها شرعية وداخل نطاق الإسلام هي دور السنة بمراتبها الثلاث :
1 - السنة المحضة 2- سنة أهل الإتباع 3 -السنة العامة
وأخر درجات السنة هي السنة العامة فهذه الدور هي التي لها الشرعية وملزمة بالسمع والطاعة ودور السنة المحضة وسنة أهل الإتباع الخروج عليهما مروق من الدين،، أما السنة العامة حسب قاعدة الشرعية باحتمال أدنى المفسدتين وهى داخل نطاق الإسلام وخارج نطاق الشرعية أي ليس لها شرعية وتشترك مع دور السنة في الاجتماع على الإسلام والانتساب للشرع ولكن ليست لها شرعية وهى :
1 - دار البدعة 2 - دار الفسق 3 - دار الفرقة
فإذن : كل هذه الدور غير ملزمة وليس لها شرعية وغير ملزمة بالسمع والطاعة ماعدا دور السنة بمراتبها الثلاثة فأخر نطاق الشرعية الملزمة دار السنة العامة فبعد السنة العامة لا يوجد إلزام بالشرعية فعند الاحتجاج على دار الكفر بأنها ليس لها شرعية لماذا ؟
لأن الإمام الشاطبى يقول: (الجماعة الراجعة للاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة فما كان خارجا على الكتاب والسنة كالخوارج والروافض وما جرى مجراهما فلا يدخل في معنى الجماعة )
فإن هذه الدور راجعة إلى الاجتماع على الإسلام والانتساب إلى الشرع ولا يدخلون في معنى الجماعة فمن باب أولى الذين خرجوا عن الاجتماع على الإسلام والانتساب للشرع ولا يدخلون في معنى الجماعة
فهذه هي أوضاع الدور المختلفة داخل نطاق الإسلام فعندما ُيطالب بدار الإسلام تكون دار سنة وأدنى درجات السنة هي السنة العامة وليس وراء ذلك إلا الانحطاط في مختلف درجات الدور التي خارج السنة والتي ليس لها شرعية وضع ولا شرعية حكم .