من أعلام الدعوة : الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى .
عبد المحسن بن حمد العباد البدر بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وخليلُه وخيرتُه مِن خَلْقه، أرسله اللهُ تعالى بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فدلَّ أمَّتَه على كلِّ خير، وحذَّرها من كلِّ شرٍّ.
اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه ومَن سلك سبيلَه واهتدى بهديه إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد:
فإنِّي أتحدَّث إليكم أيُّها الإخوة هذه الليلة عن شيخٍ فاضلٍ من شيوخ المملكة العربيَّة السعودية، وعَلَمٍ من أعلامها بل عن عَلَمٍ من أعلام العالَم الإسلامي، له جهودٌ كبيرةٌ في العنايةِ بالعلمِ ونشرِه وبذلِه، وإفادةِ طلبة العلم، ألا وهو الشيخ العلاَّمة محمد بن صالِح بن عُثيمين رحمه الله وأسكنه فسيح جنَاته.
فأقول: إنَّ أعظمَ مصيبةِ موتٍ حصلت في الإسلام المصيبةُ بوفاة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، والمصائبُ العظمى بعد تلك المصيبة إنَّما هي بموت ورثتِه صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياء، وإنَّ الأنبياءَ لَم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنَّما ورَّثوا العلمَ، فمَن أخذ به، أخذ بحظٍّ وافر"، رواه أبو داود (3641) وغيرُه، وسنده حسن.
والشيخُ ابنُ عُثيمين ـ رحمه الله ـ قد أخذ من العلمِ بحظٍّ وافر، وبَذَل جهودًا عظيمةً في نشرِه، وإفادةِ طلاَّب العلم. وكلامي عن هذا الشيخ الفاضل عن: نسبه، وولادته ونشأته، وشيوخه وتلاميذه، وبذلِه للعلم وقيامِه بالدَّعوة، ومؤلفاتِه، ومكانتِه عند الناس، ووفاتِه وعقِبِه، ووصايا ومقترحات.
أولًا: نسبههو محمد بن صالح بن محمد بن سليمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أحمد بن مُقبل، من الوهَبة، من بنِي تميم، وجدُّه الرابع عثمان أُطلق عليه عُثيمين، واشتهرت هذه الأسرة بالنسبة إليه بهذا الإطلاق (عُثيمين مأخوذ من عثمان). أفادنِي بهذا النسب ابنُ عمِّه الدكتور عبد الرحمن ابن سليمان بن عُثيمين. وانظر كتاب: "علماء نجد خلال ستة قرون" للشيخ عبد الله البسَّام (2/422).
ثانيًا:ولادته ونشأتهوُلد في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان سنة 1347هـ في مدينة عُنيزة، إحدى مدن القصيم، ونشأ نشأة صالِحة طيِّبة. تعلَّم القراءةَ والكتابةَ في الكتَّاب، وتعلَّم القرآنَ على جدِّه لأمِّه عبد الرحمن بن سليمان آل دامغ، فحفظ القرآن وتتلمذ على الشيخ العلاَّمة عبد الرحمن ابن ناصر السَّعدي رحمه الله، ولَمَّا فُتح معهد الرياض العلمي استأذن شيخَه عبد الرحمن بن سعدي في الالتحاق به، فدرس فيه، وكانت مدَّةُ الدراسة في ذلك الوقت بعد الابتدائي وقبل الكلية أربعَ سنوات، ودخل في السنة الثانية، وكان في ذلك الوقت نظام القفز، وهو أنَّ مَن يكون عنده استعدادٌ للتقدُّم في الدراسة، فإنَّه تُتاح له الفرصة في العطلة الصيفية أن يدرسَ مقرَّرات السنة التي بعد سنته التي انتهى منها، وإذا جاء الدور الثاني اختبر في مواد تلك السنة، فينتقل منها إلى السنة الأخرى، وكان ـ رحمة الله عليه ـ دَرَسَ في السنة الثانية، وفي الصيف درس مقرَّرات السنة الثالثة، وانتقل منها إلى السنة الرابعة، وبعد انتهائه منها فُتح المعهد العلمي بعُنيزة سنة 1374هـ، وصار يدرسُ على شيخه الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، ويقوم بالتدريس في معهد عُنيزة العلمي، وكان مع ذلك منتسبًا إلى كليَّة الشريعة، يذهب إلى الرياض لأداء الاختبار في نهاية كلِّ سنة دراسية، حتى أنهى الدراسة في الكليَّة.
وبعد افتتاح كليَّة الشريعة وأصول الدِّين بالقصيم انتقل من التدريس في المعهد إليها، واستمرَّ في التدريس فيها إلى أن توفي رحمه الله.
ولَمَّا تُوفِّيَ شيخُه عبد الرحمن بن سعدي سنة 1376هـ تولَّى الإمامةَ والخطابةَ والتدريس في المسجد الجامع الكبير بعُنيزة، واستمرَّ على ذلك حتى توفَّاه الله.
ثالثًا:شيوخه وتلاميذه
أبرز شيوخه الذين درس عليهم: الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، درس عليه في المسجد الكبير بعُنيزة، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمهما الله، درس عليهما في معهد الرياض العلمي. وأمَّا تلاميذه، فهم كثيرون، أخذوا عنه العلمَ في معهد عنيزة العلمي، وكلية الشريعة وأصول الدِّين بالقصيم، وفي المسجد الجامع الكبير بعُنيزة، فتدريسُه في المسجد الجامع الكبير مدَّتُه خمسٌ وأربعون سنة، وتدريسه في المعهد والكليَّة مدَّتُه سبعٌ وأربعون سنة، فتلاميذه في هذه المُدَّة الطويلة كثيرون جدًّا.
وكان عددٌ كبير من الطلبة من داخل المملكة وخارجها يرتحِلون إليه لتلقِّي العلمَ عنه لا سيما في الصيف، حيث يكون له فيه دروسٌ كثيرة، في الصباح وبعد العصر وبعد المغرب، ولا ينقطع عن التدريس بعد المغرب في جميع أيَّام السنة.
وفي المسجد الجامع الكبير بعُنيزة مكتبة أسَّسها الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، وبعد وفاته واصل الشيخ محمد بن عُثيمين تزويدها بالكتب، ولَمَّا أعاد الملك خالد ـ رحمه الله ـ بناءَ المسجد الجامع الكبير بعُنيزة، بنى بجواره عمارةً جعلها وقفًا على الطلبة الذين يرتحلون إلى عُنيزة للدراسة على الشيخ ابن عُثيمين رحمه الله، ونُقلت المكتبة إلى تلك العمارة، فكانت هذه العمارة فيها سكن الطلاَّب والمكتبة.
المصدر :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]