قال الشيخ المحدث العلامة عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، حفظه الله ورعاه، ونفع به الإسلام والمسلمين:
الشيخ ابن باز والشيخ الألباني رحمهما الله تعالى، كلاهما من أهل الحديث، والعناية بالحديث، ولا نظير لهما فيما نعلم في هذا العصر المتأخر، وهما يعتبران مجددان لهذا العلم، الشيخ الألباني فيما يختص بالرواية، والشيخ ابن باز فيما يختص بالدراية، ولكن لكل واحد منهما نصيب مما ذكر للآخر، يعني: أن الشيخ الألباني مع عنايته بالرواية، له أيضاً يد في الدراية، لكن هو في الرواية أظهر، والشيخ ابن باز على العكس، يعني: أن الشيخ ابن باز مع عنايته بالدراية، له أيضاً يد في الرواية، لكن هو في الدراية والاستنباط والاستدلال والتفقه من السنة أظهر.
فالشيخ ابن باز انصب اجتهاده إلى علم الحديث دراية واستنباط، واعتمد على الحديث، وصحح وضعف، لكنه في الرجال ما اعتمد أن يبحث كل راوي بعينه، بل كان يكفيه أن يثبت الخبر أو يثبته أحد الأئمة، ويستنبط منه.
لكن الشيخ الألباني على العكس، كان اجتهاده منصب إلى الراوية وإثبات الخبر، ثم بعد ذلك الاجتهاد في الاستنباط، لكن مستواه فيه ليس كمثل مستوى الشيخ ابن باز، كما أن اهتمام الشيخ ابن باز بتخريج الأحاديث، والتصحيح والتضعيف، والكلام على الرواة، أقل من اجتهاد الشيخ الألباني، وكل على خير عظيم فيما نحسب والله حسيبهم، والله يغفر للجميع.
وإذا عرفنا أن الإمامين شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ الألباني -رحمهما الله تعالى- ممن يشار إليهما بالتفرد في هذا العلم، وأنهما بلغا فيه الغاية في نظرنا، وأفنيا العمر الطويل في خدمة هذا العلم، وفي نشر السنة قراءة وإقراء، إلا أنهما لم يخرجا عن ربقة التقليد في هذا العلم، فكيف ذلك؟.
الجواب: أنهما يعتمدان اعتماداً أغلبياً على التقريب، وهذا تقليد؛ لأن التقريب يحكي وجهة نظر ابن حجر -رحمه الله تعالى-، ولكن في الحكم على الرجال لا مفر من التقليد، وأيضاً ابن حجر وقعت له أوهام في التقريب، فهو ليس بمعصوم كغيره من البشر، وحينما نقول مثل هذا الكلام ليس معناه أننا نقلل من شأن التقريب، وليس معناه أنه دستور لا يحاد عنه، بل هو عمدة كثير من أهل العلم ومعولهم.
فالشيخ ابن باز والشيخ الألباني، من كبار علماء السنة، ومع ذلك اعتمادهما على التقريب قوي، فكيف بمن دونهما بمراحل، ولكن لا يعني ذلك أنهم يوافقون التقريب في كل شيء، بل قد يخالفونه.
ثم أنهما -رحمهما الله تعالى- حكموا على الأحاديث من خلال القواعد المعروفة الآن "قواعد المتأخرين"، واعتمدا كثيراً عليها، وما قالوا بمحاكاة المتقدمين، ولا حاكوهم هم أيضاً، لكن إذا تعارض حكمهم مع أحكام الأئمة أعادوا النظر في أحكامهما؛ لأن قواعد المتأخرين ليست قواعد كلية لا يخرج عنها أي فرع من فروعها، بل هي قواعد أغلبية يخرج عنها بعض الفروع كغير هذا العلم من العلوم الأخرى.