في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإرخاء الثوب شبراً ، وقول أم سلمة (إذن تنكشف أقدامهن)، هل يعني ذلك أن النساء كنَّ يلبس ثيابًا ترتفع عن الأرض شبراً . لأنه إذا كان قد أمر صلى الله عليه وسلم بأن يرخينه شبرًا ومع ذلك تنكشف أقدامهن فيبدو أن ثيابهنَّ كانت قصيرة قليلًا . فهل يجوز لنا لبس ما ارتفع عن الأرض شبرًا واحدًا ؟.
تم النشر بتاريخ: 2010-06-10
الجواب :
الحمد لله
الواجب على المرأة أن تلبس ما يستر جميع بدنها، ولا يكشف شيئًا منها، وقد دلت على ذلك النصوص الشرعية الكثيرة، وقد سبق بيانها في جواب السؤال (6991) .
وأما الحديث الذي رواه الترمذي (1653) والنسائي (5241) وأحمد (4541) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟
قَالَ: (يُرْخِينَ شِبْرًا).
فَقَالَتْ : إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ؟
قَالَ : (فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ)، وصححه الألباني .
فليس في الحديث ما يدل على أن النساء كن يلبسن ما يرتفع عن الأرض قدر شبر ، ولعل السائلة فهمت الحديث فهما مقلوبًا.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن في هذا الحديث تحريم جر الثوب على الأرض ، فظنت أم سلمة أن الحكم يشمل الرجال والنساء ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم : (فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ ) حيث إن ثوب المرأة طويل في العادة ويجر على الأرض.
فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الحكم لا يشمل النساء، وأنه يجوز للمرأة أن تطول ثوبها بمقدار شبر زيادة على الحد المسموح به للرجال.
فخشيت أم سلمة من ذلك أن تنكشف أقدام بعض النساء ، فرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم تطويله بمقدار ذراع.
قال الحافظ ابن حجر : "سألتْ عن حكم النساء في ذلك؛ لاحتياجهن إلى الإسبال من أجل ستر العورة؛ لأن جميع قدمها عورة، فبين لها أن حكمهن في ذلك خارج عن حكم الرجال ... وقد نقل عياض الإجماع على أن المنع في حق الرجال دون النساء". انتهى "فتح الباري" (10/259).
قال العيني: "وفي الحديث رخصة للنساء في جر الإزار؛ لأنه يكون أستر لهن". انتهى "عمدة القاري" (31/434).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن النساء على عهده كن يلبسن ثياب طويلات الذيل ، بحيث ينجر خلف المرأة إذا خرجت" انتهى "مجموع الفتاوى" (22/147) .
قال البهوتي: "والظاهر أن المراد بـ (الذراع) ذراع اليد ، وهو شبران". انتهى "كشاف القناع" (1/277) .
ويدل على ذلك ما جاء عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الذَّيْلِ شِبْرًا، ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا، فَكُنَّ يُرْسِلْنَ إِلَيْنَا فَنَذْرَعُ لَهُنَّ ذِرَاعًا. رواه أبو داود (4119) وصححه الألباني .
قَالَ الْحَافِظ: " أَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَة قَدْر الذِّرَاع الْمَأْذُون فِيهِ ، وَأَنَّهُ شِبْرَانِ بِشِبْرِ الْيَد الْمُعْتَدِلَة ". انتهى "فتح الباري" (10/259) .
وفي المكان الذي يبدأ منه حساب الشبر خلاف بين العلماء، فقيل يبدأ من الكعبين، وقيل من نصف الساق ، وقيل من أول ما يمس الأرض . ينظر: "طرح التثريب" (9 / 38).
ولعل الأقرب أن ابتداءه من الكعبين . وينظر: "فتح الباري" (10/259) .
والحاصل:
أنه يجب على المرأة أن تلبس ثوبًا يستر جميع بدنها، والحديث المذكور لا يدل على أن النساء كن يلبسن ثيابًا قصيرة، بل يدل على أنهن كن يلبسن ثيابًا طويلة.
والله أعلم .
منقول من: الإسلام سؤال وجواب