السؤال :
أرجو بيان الأمر مع الدليل هل يجوز العمل بالحديث المرسل في أحكام الشريعة " الفقه " ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
" الحديث المرسل " هو ذلك الحديث الذي يرويه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر الصحابي في سنده .
ثانيا :
تقدم بيان أن الأحاديث التي يجب الأخذ بها والاستدلال بها هي الأحاديث المقبولة : الصحيحة أو الحسنة ، أما الأحاديث الضعيفة أو المكذوبة فلا يجوز الاستدلال بها على الحكم الشرعي .
ثالثا :
الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف ، وليس بحجة عند جماهير أهل العلم بالحديث .
قال الإمام مسلم رحمه الله في "مقدمة صحيحه" (1/12) :
" وَالْمُرْسَلُ مِنْ الرِّوَايَاتِ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ " انتهى .
وقال ابن أبي حاتم رحمه الله :
" سَمِعْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ يَقُولَانِ : لَا يُحْتَجُّ بِالْمَرَاسِيلِ وَلَا تَقُومُ الْحُجَّةُ إِلَّا بِالْأَسَانِيدِ الْصِّحَاحِ الْمُتَّصِلَةِ ، وَكَذَا أَقُولُ أَنَا " انتهى من "المراسيل" (ص: 7) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" عُرف من علم " مصطلح الحديث " أن الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف عند جمهور علماء الحديث " انتهى من "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (1/ 55) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" والمرسل ليس بحجة عند جماهير أهل العلم ؛ كما نقل ذلك عنهم الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (4/ 261) .
والعلة في عدم الاحتجاج بالمرسل أن المرسِل لم يذكر لنا عمن أخذ هذا الحديث ؟ هل أخذه عن صحابي ؟ أم أخذه عن رجل مجهول ؟ أم أخذه عن غير ثقة ؟
ومع الاحتمال يسقط الاستدلال .
رابعا :
ذهب كثير من الفقهاء إلى القول بالاحتجاج بالمرسل ، ولكن لهم في ذلك شروط .
قال النووي رحمه الله في تعليقه على كلام الإمام مسلم المتقدم :
" هَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذَاهِبِ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ . وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ " .
انتهى من "شرح النووي على مسلم" (1/ 132) .
قال ابن رجب رحمه الله بعد أن ذكر خلاف العلماء في الاحتجاج بالمرسل :
" واعلم أنه لا تنافي بين كلام الحفاظ ، وكلام الفقهاء في هذا الباب ، فإن الحفاظ إنما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلا ، وهو ليس بصحيح على طريقتهم ، لانقطاعه وعدم اتصال إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث ، فإذا عضد ذلك المرسل قرائن تدل على أن له أصلا قوي الظن بصحة ما دل عليه ، فاحتج به مع ما احتف به من القرائن.
وهذا هو التحقيق في الاحتجاج بالمرسل عند الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما ... وقد ذكر ابن جرير وغيره أن إطلاق القول بأن المرسل ليس بحجة من غير تفصيل بدعة حدثت بعد المائتين" " انتهى من "شرح علل الترمذي" (1/ 543).
فالمرسل عند المحدثين من أقسام الحديث الضعيف ، وهو كذلك أيضا عند الفقهاء ، لكنه يحتج به عندهم إذا احتف به من القرائن ما يقويه ويدل على أن له أصلا ، كأن يروى من طريق آخر موصول ، أو يُروى من وجه آخر مرسلاً ، أرسله من أخذ العلم عن غير رجال المرسل الأول ، أو كان العمل عليه ، أو عضده قياس صحيح ، أو قول صاحب ، ونحو ذلك .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وَالْمُرْسَلُ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ عَمل ، وَعَضّدَهُ قِيَاسٌ ، أَوْ قَوْلُ صَحَابِيٍّ ، أَوْ كَانَ مُرْسِلُهُ مَعْرُوفًا بِاخْتِيَارِ الشُّيُوخِ وَرَغْبَتِهِ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الضُّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي قُوَّتَهُ عُمِلَ بِهِ " انتهى من "زاد المعاد" (1/ 367) .
وقال النووي رحمه الله :
" يَحْتَجُّ الشَّافِعِيِّ بِالْمُرْسَلِ إذَا اعْتَضَدَ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ : إمَّا حَدِيثٌ مُسْنَدٌ ، وَإِمَّا مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ ، وَإِمَّا قَوْلُ صَحَابِيٍّ ، وَإِمَّا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ " انتهى من "المجموع" (6/ 206) .
وانظر : " أصول البزدوي " (ص171) ، " المنثور" للزركشي ، " شرح العمدة " لابن تيمية (1 /296) ، "تهذيب سنن أبي داود" (2 /69) .
فالحاصل : أن الحديث المرسل في ذاته ضعيف لا يحتج به ، لكنه إذا اعتضد بما يقويه ويدل على أن له أصلا : فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى الاحتجاج به ، لا لمجرده ، ولكن لما قارنه من معضدات تقويه ، فلا بأس من ذكره والاحتجاج به حينئذ ؛ حيث ثبت معناه بالقياس أو بقول الصحابي ونحو ذلك .
أما إذا انفرد المرسل بالحكم دون أن يتقوى بعاضد فليس بحجة ، وهو من أقسام الحديث الضعيف .
خامسا :
أما مراسيل الصحابة رضي الله عنهم فهي حجة مطلقا ، قال السرخسي رحمه الله في "أصوله"
(1/ 359):
" وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء فِي مَرَاسِيل الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أَنَّهَا حجَّة ؛ لأَنهم صحبوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا يَرْوُونَهُ عَن رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام مُطلقًا يحمل على أَنهم سَمِعُوهُ مِنْهُ أَو من أمثالهم ، وهم كَانُوا أهل الصدْق وَالْعَدَالَة " انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" اِتَّفَقَتْ الْأُمَّة عَلَى قَبُول رِوَايَة اِبْن عَبَّاس وَنُظَرَائِهِ مِنْ الصَّحَابَة , مَعَ أَنَّ عَامَّتهَا مُرْسَلَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يُنَازِع فِي ذَلِكَ اِثْنَانِ مِنْ السَّلَف وَأَهْل الْحَدِيث وَالْفُقَهَاء " .
انتهى من "تهذيب سنن أبي داود" (1 /177) .
راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (79163) .
والله تعالى أعلم .
موقع الإسلام سؤال و جواب:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل