(21) الحَـــــــــسَـــــــــــــــنُ الـــــبَـــــــــــصْـــــــــــــــــــــــرِيُّ
هُـــــــوَ: الحَسَنُ بنُ يَسَارٍ، أَبُو سَعِيْدٍ البَصْرِيُّ. الإِمَامُ، العَلَمُ، الكَبِيرُ، سَيِّدُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالبَصْرَةِ عِلْماً وعَمَلاً؛ أَدرَكَ الكَثِيرَ مِن صَحَابَةِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَخَذَ عَنْهُم العِلْمَ؛ ورَأَى أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانٍ رَضْيَ اللهُ عَنْهُ، وحَضَرَ مَعَهُ الجُمُعَةَ، وسَمِعَهُ يَخْطُبُ.
مَـوْلِـــــدُهُ: وُلِدَ الحَسَنُ سَنَةَ إِحدَى وعِشْرِينَ (21 هــ).
وكَانَ فَقِيْهاً، حَافِظًا، عَالِمًا، رَفِيْعاً، حُجَّةً، مَأْمُوْناً، عَابِداً، كَثِيْرَ العِلْمِ، فَصِيْحاً، وَسِيْماً؛ ومِنَ الشُّجْعَانِ المَوْصُوْفِيْنَ بِالشَجَاعَةِ والإِقْدَامِ، وكَانَ كَثِيْرَ الجِهَادِ، وكَانَ يُشْبِهُ كَلَامُهُ كَلَامَ الأَنْبِيَاءِ؛ مُتَّفَقٌ عَلَى إِمَامَتِهِ وعَدَالَتِهِ.
قَـــالُــــــواْ عَـنـْــــهُ:
- قَالَ أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْـهُ، لِطَلَبَةِ العِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ: الْزَمُوا الحَسَنَ البَصْرِيَّ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشْبَهَ رَأْياً بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ مِنْهُ.
- وقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْـهُ، لِطَلَبَةِ العِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ: سَلُوا الحَسَنَ، فَإِنَّهُ حَفِظَ وَنَسِيْنَا.
- وقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: ذَاكَ إِمَامٌ ضَخْمٌ، يُقْتَدَى بِهِ.
- وقَالَ بَكْرٌ المُزَنِيِّ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَفْقَهِ مَنْ رَأَيْنَا، فَلْيَنْظُرْ إِلَى الحَسَنِ.
- وقَالَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ: لَوْ رَأَيْتَ الحَسَنَ، لَقُلْتَ: إِنَّكَ لَمْ تُجَالِسْ فَقِيْهاً قَطُّ.
- وقَالَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَة: مَا جَمَعْتُ عِلْمَ الحَسَنِ إِلَى أَحَدٍ مِنَ العُلَمَاءِ، إِلاَّ وَجَدْتُ لَهُ فَضْلاً عَلَيْهِ، وَمَا جَالَسْتُ فَقِيْهاً قَطُّ، إِلاَّ رَأَيْتُ فَضْلَ الحَسَنِ، وكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالحَلاَلِ والحَرَامِ.
- وقِيلَ لِمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ: صِفْ لَنَا الحَسَنَ، فَقَالَ: كَانَ إِذَا أَقْبَلَ كَأَنَّمَا أَقْبَلَ مِنْ دَفْنِ أُمِّهِ، وإِذَا تَكَلَّمَ فَكَأَنَّمَا النَّارُ فَوْقَ رَأْسِهِ، وإِذَا قَعَدَ فَكَأَنَّمَا هُوَ أَسِيرٌ قُرِّبَ لِضَرْبِ عُنُقِهِ.
- وقَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ أَطْوَلَ حُزْنًا مِنَ الحَسَنِ.
- وقَالَ العِجْلِيُّ: تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ.
- وقَالَ الذَّهَبِيُّ: إِمَامٌ، كَبِيْرُ الشَّأْنِ، رَفِيْعُ الذِّكْرِ، رَأْسًا فِي العِلْمِ والعَمَلِ.
- وقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ثِقَةٌ، فَقِيْهٌ، فَاضِلٌ، مَشْهُوْرٌ.
ومِــنْ كَـرَامَــتِــهِ:
- عَنْ عِصَامِ بْنِ يَزِيدٍ, قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الخَوَارِجِ يَغْشَى مَجْلِسَ الحَسَنِ فَيُؤْذِيهِمْ, فَقِيلَ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَلَا تُكَلِّمُ الْأَمِيرَ حَتَّى يَصْرِفَهُ عَنَّا...؟! فَسَكَتَ عَنْهُمْ, فَأَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ والحَسَنُ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَآهُ الحَسَنُ, قَالَ: "اللَّهُمَّ قَدْ عَلِمْتَ أَذَاهُ لَنَا فَاكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ". قَالَ: فَخَرَّ واللَّهِ الرَّجُلُ مِنْ قَامَتِهِ فَمَا حُمِلَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا مَيِّتًا، فَكَانَ الحَسَنُ إِذَا ذَكَرَهُ بَكَى وقَالَ: "البَائِسُ، مَا كَانَ أَغَرَّهُ بِاللَّهِ".
ومِـن أَقْـــوَالِـــــهِ:
- قَالَ الحَسَنُ: يَا ابْنَ آدَمَ، واللهِ إِنْ قَرَأْتَ القُرْآنَ ثُمَّ آمَنْتَ بِهِ، لَيَطُوْلَنَّ فِي الدُّنْيَا حُزْنُكَ، ولَيَشْتَدَّنَّ فِي الدُّنْيَا خَوْفُكَ، ولَيَكْثُرَنَّ فِي الدُّنْيَا بُكَاؤُكَ.
- وقَالَ: ابْنَ آدَمَ، تَرْكُ الخَطِيْئَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنْ مُعَالَجَةِ التَّوْبَةِ، مَا يُؤْمِنُكَ أَنْ تَكُوْنَ أَصَبْتَ كَبِيْرَةً أُغْلِقَ دُوْنَهَا بَابُ التَّوْبَةِ، فَأَنْتَ فِي غَيْرِ مَعْمَلٍ.
- وقَالَ: المُؤْمِنُ مَنْ عَلِمَ أَنَّ مَا قَالَ اللهُ كَمَا قَالَ، والمُؤْمِنُ أَحْسَنُ النَّاسِ عَمَلاً، وأَشَدُّ النَّاسِ وَجَلاً، فَلَو أَنْفَقَ جَبَلاً مِنْ مَالٍ، مَا أَمِنَ دُوْنَ أَنْ يُعَايِنَ، لاَ يَزْدَادُ صَلاَحاً وَبِرّاً إِلاَّ ازْدَادَ فَرَقاً، والمُنَافِقُ يَقُوْلُ: سَوَادُ النَّاسِ كَثِيْرٌ، وسَيُغْفَرُ لِي، ولاَ بَأْسَ عَلَيَّ، فَيُسِيْءُ العَمَلَ، ويَتَمَنَّى عَلَى اللهِ.
- وقَالَ: أَهِيْنُوا الدُّنْيَا، فَوَاللهِ لأَهْنَأُ مَا تَكُوْنُ إِذَا أَهَنْتَهَا.
- وقَالَ: ابْنَ آدَمَ، إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، كُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ، ذَهَبَ بَعْضُكَ.
- وقَالَ: مَا أَعَزَّ أَحَدٌ الدِّرْهَمَ إِلاَّ أَذَلَّهُ اللهُ.
- وقَالَ: بِئْسَ الرَّفِيْقَانِ: الدِّيْنَارُ والدِّرْهَمُ، لاَ يَنْفَعَانِكَ حَتَّى يُفَارِقَاكَ.
- وقَالَ: فَضَحَ المَوْتُ الدُّنْيَا، فَلَمْ يَتْرُكْ فِيْهَا لِذِي لُبٍّ فَرَحاً.
- وقَالَ: مِسْكِينٌ ابْنُ آدَمَ، رَضِيَ بِدَارٍ حَلَالُهَا حِسَابٌ، وَحَرَامُهَا عَذَابٌ، إِنْ أَخَذَهَا مِنْ حِلٍّ حُوسِبَ بِنَعِيمِهِ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ حَرَامٍ عُذِّبَ بِهِ؛ ابْنُ آدَمَ يَسْتَقِلُّ مَالَهُ وَلَا يَسْتَقِلُّ عَمَلَهُ، يَفْرَحُ بِمُصِيبَتِهِ فِي دِينِهِ، وَيَجْزَعُ بِمُصِيبَتِهِ فِي دُنْيَاهُ.
- وقَالَ: طَأِ الْأَرْضَ بِقَدَمِكَ فَإِنَّهَا عَنْ قَلِيلٍ قَبْرُكَ، إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَدْمِ عُمْرِكَ مُنْذُ سَقَطْتَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ.
- وقَالَ: الفِكْرَةُ مِرْآةٌ تُرِيكَ حَسَنَاتِكَ وسَيِّئَاتِكَ.
- وقَالَ: مَا يَسُرُّنيِ مَوَدَّةُ أَلْفِ رَجُلٍ بِعَدَاوَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
- وقَالَ: ضَحِكُ المُؤْمِنِ غَفْلَةٌ مِنْ قَلْبِه.
- وقَالَ: لَا تَضْحَكْ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِنَا فَقَالَ: لَا أَقْبَلُ مِنْكُمْ شَيْئًا.
- وقَالَ: لَا تَخْرُجُ نَفْسُ ابْنِ آدَمَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا بِحَسَرَاتٍ ثَلَاثٍ: أَنَّهُ لَمْ يَشْبَعْ مِمَّا جَمَعَ، ولَمْ يُدْرِكْ مَا أَمِلَ، ولَمْ يُحْسِنِ الزَّادَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ.
- وقَالَ: أَعِزَّ أَمْرَ اللَّهِ يُعِزَّكَ اللَّهُ.
- وقَالَ: نَبْكِي عَلَى المَيِّتِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وعَلَى الأَحْمَقِ حَتَّى يَمُوتَ.
- وقَالَ: إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يُصْبِحُ إِلَّا خَائِفًا، وإِنْ كَانَ مُحْسِنًا، ولا يُمْسِي إِلا خَائِفًا وإِنْ كَانَ مُحْسِنًا, ولَا يُصْلِحُهُ إِلَّا ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَا بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ، بَيْنَ ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ اللَّهُ فِيهِ، وبَيْنَ أَجَلٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي مَا يُصِيبُ فِيهِ مِنَ الهَلَكَاتِ.
- وقَالَ: يَا ابْنَ آدَمَ فَعِظْ نَفْسَكَ فَإِنْ هِيَ قَبِلَتْ فَعِظِ النَّاسَ, وإِلَّا فَاسْتَحِ مِنْ رَبِّكَ.
- وقَالَ: يَا عَجَبًا لِقَوْمٍ أُمِرُوا بِالزَّادِ ونُودُوا بِالرَّحِيلِ وحُبِسَ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ، وهُمْ قُعُودٌ يَلْعَبُونَ.
- وقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا لَبِسَ خَلِقًا، وأَكَلَ كِسْرَةً، ولَزِقَ بِالْأَرْضِ، وبَكَى عَلَى الْخَطِيئَةِ، ودَأَبَ فِي العِبَادَةِ.
- وقَالَ: لَا تَزَالُ كَرِيمًا عَلَى إِخْوَانِكَ مَا لَمْ تَحْتَجْ إِلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ، فَإِذَا احْتَجْتَ إِلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ ثَقُلَ عَلَيْهِمْ حَدِيثُكَ وهُنْتَ عَلَيْهِمْ.
- وقَالَ: العَامِلُ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ، والعَامِلُ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرُ مِمَّا يُصْلِحُ.
- وقَالَ: كُلُّ نَفَقَةٍ يُنْفِقُهَا ابْنُ آدَمَ يُحَاسَبُ عَلَيْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ, إِلَّا نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى إِخْوَانِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَسْتَحِي أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهَا.
- وقَالَ: عِظِ النَّاسَ بِفِعْلِكَ ولَا تَعِظْهُمْ بِقَوْلِكَ.
- وقَالَ: ابْنَ آدَمَ اصْحَبِ النَّاسَ بِأَيِّ خُلُقٍ شِئْتَ يَصْحَبُوكَ بِمِثْلِهِ.
- وقَالَ: إِنَّ النَّاسِكَ إِذَا تَنَسَّكَ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ مَنْطِقِهِ ولَكِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إِلَّا فِي عَمَلِهِ، وذَلِكَ العِلْمُ النَّافِعُ.
- وقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا لَمْ يَغُرَّهُ مَا يَرَى مِنْ كَثْرَةِ النَّاسِ.
- وقَالَ: ابْنَ آدَمَ أَنْتَ تَمُوتُ وَحْدَكَ، وتَدْخُلُ القَبْرَ وَحْدَكَ، وتُبْعَثُ وَحْدَكَ، وتُحَاسَبُ وَحْدَكَ، أَنْتَ ابْنُ آدَمَ المَعْنِيُّ وإِيَّاكَ يُرَادُ.
- وقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُنَافِسُ فِي الدُّنْيَا فَنَافِسْهُ فِي الآخِرَةِ.
- وقَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ إِذَا ابْتُلُوا مِنْ سُلْطَانِهِمْ بِشَيْءٍ فَزِعُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ يَرْفَعَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ، ولَكِنْ فَزِعُوا إِلَى السَّيْفِ، فَوَاللَّهِ مَا جَاءُوا بِيَوْمِ خَيْرٍ قَطُّ، ثُمَّ تَلَا: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا}. (الأعراف: 137).
- وقَالَ: أَيُّهَا المُتَصَدِّقُ عَلَى المِسْكِينِ تَرْحَمُهُ, ارْحَمْ نَفْسَكَ الَّتِي ظَلَمْتَهَا.
- وقَالَ: أُصُولُ الشَّرِّ ثَلَاثَةٌ، وفُرُوعُهُ سِتَّةٌ، فَالْأُصُولُ: الحَسَدُ, والحِرْصُ, وحُبُّ الدُّنْيَا؛ وفُرُوعُهُ: حُبُّ الرِّيَاسَةِ، وحُبُّ الفَخْرِ، وحُبُّ الثَّنَاءِ، وحُبُّ الشَّبَعِ, وحُبُّ النَّوْمِ, وحُبُّ الرَّاحَةِ.
- وقَالَ: مَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا ذَهَبَ خَوْفُ الآخِرَةِ مِنْ قَلْبِهِ.
- وقَالَ: إِيَّاكُمْ ومَا يَشْغَلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ لَا يَفْتَحُ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ بَابًا مِنَ الدُّنْيَا، إِلَّا سَدَّ عَلَيْهِ عَشَرَةَ أَبْوَابٍ مِنْ عَمَلِ الآخِرَةِ.
- وقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ضَرَبَ ابْنَ آدَمَ بِالمَوْتِ والفَقْرِ، وإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَوَثَّابٌ.
- وقَالَ: المُسْلِمُ لَا يَأْكُلُ فِي كُلِّ بَطْنِهِ، ولَا تَزَالُ وَصِيَّتُهُ تَحْتَ جَنْبِهِ.
- وقَالَ: المُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا كَالغَرِيبِ، لَا يُنَافِسُ فِي عِزِّهَا ولَا يَجْزَعُ مِنْ ذُلِّهَا، لِلنَّاسِ حَالٌ ولَهُ حَالٌ، وَجِّهُوا هَذِهِ الفُضُولَ حَيْثُ وَجَّهَهَا اللَّهُ.
- وقَالَ: لَا تَطِيبُ لأَحَدٍ الحَيَاةُ إِلَّا فِي الجَنَّةِ.
- وقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِالحَسَنَةِ فَتَكُونُ نُورًا فِي قَلْبِهِ وقُوَّةً فِي بَدَنِهِ، وإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِالسَّيِّئَةِ فَتَكُونُ ظُلْمَةً فِي قَلْبِهِ ووَهَنًا فِي بَدَنِهِ.
- وقَالَ: لَوْ عَلِمَ العَابِدُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي الآخِرَةِ لَذَابَتْ أَنْفُسُهُمْ فِي الدُّنْيَا.
- وقَالَ: ذَهَبَتِ المَعَارِفُ وبَقِيَتِ المَنَاكِرُ، ومَنْ يَعِشْ مِنَ المُسْلِمِينَ فَهُوَ مَغْمُومٌ.
- وقَالَ: أَكْثِرُوا مِنَ الاسْتِغْفَارِ فِي بُيُوتِكُمْ وعَلَى مَوَائِدِكُمْ وفِي طُرُقِكُمْ وفِي أَسْوَاقِكُمْ وفِي مَجَالِسِكُمْ وأَيْنَمَا كُنْتُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَتَى تَنْزِلُ المَغْفِرَةُ.
رِسَالَةُ الحَسَنِ البَصْرِيِّ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيْزِ:
كَتَبَ الحَسَنُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارُ ظَعْنٍ لَيْسَتْ بِدَارِ إِقَامَةٍ، وإِنَّمَا أُنْزِلَ آدَمُ إِلَيْهَا عُقُوبَةً فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ المَؤْمِنِينَ، فَإِنَّ الزَّادَ مِنْهَا تَرْكُهَا والغِنَى فِيهَا فَقْرُهَا، لَهَا فِي كَلِّ حِينٍ قَتِيلٌ، تُذِلُّ مَنْ أَعَزَّهَا وتُفْقِرُ مَنْ جَمَعَهَا، هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وهُوَ حَتْفُهُ، فَكُنْ فِيهَا كَالمُدَاوِي جِرَاحَتَهُ يَحْتَمِي قَلِيلًا مَخَافَةَ مَا يَكْرَهُ طَوِيلًا، ويَصْبِرُ عَلَى شِدَّةِ الأَذَى مَخَافَةَ طُولِ البَلَاءِ، فَاحْذَرْ هَذِهِ الغَرَارَةَ الخَتَّارَةَ الَّتِي قَدْ زُيِّنَتْ بِخِدَعِهَا وحُلَّتْ بِآمَالِهَا وتَشَوَّفَتْ لِخُطَّابِهَا وفُتِنَتْ بِغُرُورِهَا، فَأَصْبَحَتْ كَالعَرُوسِ المَجْلُوِّ فَالعُيُونُ إِلَيْهَا نَاظِرَةٌ والقُلُوبُ عَلَيْهَا وَالِهَةٌ، والنُّفُوسُ لَهَا عَاشِقَةٌ، وهِيَ لِأَزْوَاجِهَا كُلِّهِمْ قَاتِلَةٌ، فَلَا البَاقِي بِالمَاضِي مُعْتَبِرٌ، ولَا الآخَرُ عَلَى الأَوَّلِ مُزْدَجِرٌ، ولَا العَارِفُ بِاللَّهِ حِينَ أَخْبَرَهُ عَنْهَا مُدَّكِرٌ، فَعَاشِقٌ لَهَا قَدْ ظَفِرَ مِنْهَا بِحَاجَتِهِ فَاغْتَرَّ وطَغَى، ونَسِيَ المِيعَادَ، وشَغَلَ فِيهَا لُبَّهُ حَتَّى زَلَّتْ عَنْهُ قَدَمُهُ، وعَظُمَتْ نَدَامَتُهُ وكَثُرَتْ حَسَرَاتُهُ، واجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ سَكَرَاتُ المَوْتِ بِأَلَمِهِ، وحَسَرَاتُ الفَوْتِ بِغُصَّتِهِ، فَذَهَبَتْ بِكَدْمِهِ فَلَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا مَا طَلَبَ، ولَمْ يُرَوِّحْ نَفْسَهُ مِنَ التَّعَبِ، فَخَرَجَ بِغَيْرِ زَادٍ، وقَدِمَ عَلَى غَيْرِ مِهَادٍ، فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَكُنْ أَسَرَّ مَا تَكُونُ فِيهَا، أَحْذَرَ مَا تَكُونُ لَهَا، فَإِنَّ صَاحِبَ الدُّنْيَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ مِنْهَا إِلَى سُرُورٍ أَشْخَصَهُ إِلَى مَكْرُوهٍ، فَالسَّارِ فِيهَا بِأَهْلِهَا غَارٌّ، والنَّافِعُ فِيهَا غَدًا ضَارٌّ، وقَدْ وَصَلَ الرَّخَاءَ فِيهَا بِالبَلَاءِ، وَجَعَلَ البَقَاءَ فِيهَا إِلَى فَنَاءٍ، فَسُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالحُزْنِ، لَا يَرْجِعُ مِنْهَا مَا وَلَّى فَأَدْبَرَ، ولَا يَدْرِي مَا هُوَ آتٍ فَيَسْتُنْظِرُ. أَمَانِيُّهَا كَاذِبَةٌ، وآمَالُهَا بَاطِلَةٌ، وصَفْوُهَا كَدَرٌ، وعَيْشُهَا نَكِدٌ، وابْنُ آدَمَ فِيهَا عَلَى خَطَرٍ، إِنْ غَفَلَ فَهُوَ مِنَ النَّعْمَاءِ عَلَى خَطَرٍ وفِي البَلَاءِ عَلَى حَذَرٍ، فَلَوْ كَانَ الخَالِقُ لَمْ يُخْبِرْ عَنْهَا خَبَرًا، ولَمْ يَضْرِبْ لَهَا مَثَلًا لَكَانَتِ الدُّنْيَا قَدْ أَيْقَظَتِ النَّائِمَ، ونَبَّهَتِ الغَافِلَ فَكَيْفَ وقَدْ جَاءَ مِنَ اللَّهِ عَنْهَا زَاجِرٌ، وفِيهَا وَاعِظٌ، فَمَا لَهَا عِنْدَ اللَّهِ قَدْرٌ ولَا وَزْنٌ، ولَا نَظَرَ إِلَيْهَا مُنْذُ خَلَقَهَا، ولَقَدْ عُرِضَتْ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِهَا لَا يَنْقُصُهُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، كَرِهَ أَنْ يُخَالِفَ عَلَى رَبِّهِ أَمْرَهُ أَوْ يُحِبُّ مَا أَبْغَضَ خَالِقُهُ أَوْ يَرْفَعُ مَا وَضَعَ مَلِيكُهُ فَزَوَاهَا عَنِ الصَّالِحِينَ اخْتِيَارًا، وبَسَطَهَا لِأَعْدَائِهِ اغْتِرَارًا أَوْ قَالَ اخْتِيَارًا، فَيَظُنُّ المَغْرُورُ بِهَا المُقْتَدِرُ عَلَيْهَا أَنَّهُ أُكْرِمَ بِهَا، ونَسِيَ مَا صَنَعَ اللَّهُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ، ولَقَدْ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّهُ قَالَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامَ: "إِذَا رَأَيْتَ الغِنَى مُقْبِلًا, فَقُلْ: ذَنْبٌ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ، وإِذَا رَأَيْتَ الفَقْرَ مُقْبِلًا, فَقُلْ: مَرْحَبًا بِشِعَارِ الصَّالِحِينَ، وإِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتَ بِصَاحِبِ الرُّوحِ والكَلِمَةِ ابْنِ مَرْيَمَ، كَانَ يَقُولُ: إِدَامِي الجُوعُ، وشِعَارِي الخَوْفُ، ولِبَاسِي الصُّوفُ، وصَلَاتِي فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقُ الشَّمْسِ، وسِرَاجِي القَمَرُ، ودَابَّتِي رِجْلَايَ، وطَعَامِي وفَاكِهَتِي مَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ، أَبِيتُ ولَيْسَ لِي شَيْءٌ، وأَصْبَحَ لَيْسَ عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ أَغْنَى مِنِّي".
وَفَـاتُـــــهُ: مَاتَ الحَسَنُ بِالبَصْرَةِ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ عَشْرٍ ومِائَةٍ (110 هــ)، وقَد عَاشَ تِسْعاً وثَمَانِيْنَ سَنَةً (89)؛ وكَانَتْ جَنَازَتُهُ مَشْهُوْدَةً، صَلَّوْا عَلَيْهِ عَقِبَ صَلاَةِ الجُمُعَةِ بِالبَصْرَةِ، فَشَيَّعَهُ الخَلْقُ، وازْدَحَمُوا عَلَيْهِ؛ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.