هل الخلع طلاق أم فسخ؟
مسألة: هل الخلع طلاق أم فسخ لا ينقص عدد الطلاق؟
أولاً: صورة المسألة: أن يخالع الرجل زوجته على عوض مالي.
ثانيًا: محل الخلاف: أن يكون الخلع بغير بلفظ الطلاق، وأن لا ينوي به الطلاق؛ وإلا كان طلاقًا باتفاق. [1]
ثالثًا: أقوال أهل العلم في هذه المسألة:
القول الأول: أن الخلع يعد طلاقًا.
وهو مذهب الجمهور، من الحنفية،[2] والمالكية،[3] والقول الجديد الأظهر عند الشافعية،[4] وهي رواية لأحمد،[5] وقول الأوزاعي، والثوري،[6] ومذهب الهادوية،[7] والزيدية،[8] والظاهرية.[9]
ونسب لعثمان وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم، وهو قول ابن المسيب، والحسن، وقتادة، والزهري، وشريح، وعطاء، وإبراهيم النخعي، وغيرهم من التابعين.[10]
قال السرخسي الحنفي: " والخلع تطليقة بائنة عندنا". [11]
وقال ابن عبد البر المالكي: " الخلع ليس بفسخ عند مالك، وإنما هو طلاق بائن".[12]
وقال الماوردي الشافعي: " فهل يكون طلاقًا أو فسخًا؟ فيه قولان: أحدهما: قاله في الأم، والإملاء، وأحكام القرآن أنه صريح في الطلاق". [13]
وقال المرداوي الحنبلي: " والرواية الثانية أنه طلاق بائن بكل حال". [14]
القول الثاني: أن الخلع يعد فسخًا.
وهو المشهور من مذهب الحنابلة،[15] والقول القديم للشافعي،[16] وقد تكرر من البلقيني الإفتاء به،[17] وهو قول إسحاق، وأبي ثور،[18] واختاره ابن تيمية. [19]
وقد صح إلى ابن عباس رضي الله عنه،[20] ونسب لابن عمر رضي الله عنه، وهو قول عكرمة، وطاوس من التابعين. [21]
قال المرداوي الحنبلي: " الصحيح من المذهب أن الخلع فسخ؛ لا ينقص به عدد الطلاق، بشرطه الآتي، وعليه جماهير الأصحاب... وهو من مفردات المذهب". [22]
وقال النووي الشافعي: " والقديم أنه فسخ لا ينقص به العدد، ويجوز تجديد نكاحها بعد الخلع بلا حصر... ورجح الشيخ أبو حامد وأبو مخلد البصري القديم". [23]
رابعًا: ثمرة الخلاف: وفائدة هذا الاختلاف: فائدتان:
الأولى: هل يعتد بالخلع في التطليقات أم لا؟[24]
فلو نكحها بعد الفسخ كانت معه على ثلاث، ولو نكحها بعد الطلاق كانت معه على اثنتين، ولو كان قد طلقها طلقتين، ثم فسخ حلت له قبل زوج، ولو طلق لم تحل له إلا بعد زوج، ولو فسخ نكاحها في ثلاثة عقود حلت به قبل زوج، ولو طلقها في ثلاثة عقود لم تحل له إلا بعد زوج. [25]
قال ابن حجر في التحفة: " ( تنبيه ) إن قلت: لم كان الفسخ لا ينقص العدد والطلاق ينقصه، وما الفرق بينهما من جهة المعنى؟ قلت: يفرق بأن أصل مشروعية الفسخ إزالة الضرر لا غير، وهي تحصل بمجرد قطع دوام العصمة؛ فاقتصروا به على ذلك؛ إذ لا دخل للعدد فيه، وأما الطلاق فالشارع وضع له عددًا مخصوصًا؛ لكونه يقع بالاختيار لموجب وعدمه، ففوض لإرادة الموقع من استيفاء عدده وعدمه".
والثانية: قال المرداوي: "ما إذا قال: خالعت يدك أو رجلك على كذا فقبلت؛ فإن قلنا: الخلع فسخ لا يصح ذلك، وإن قلنا: هو طلاق صح؛ كما لو أضاف الطلاق إلى يدها أو رجلها". [26]
.........................................
[1] ينظر: حاشية رد المحتار، لابن عابدين، (3/ 488)، والتنبيه، للشيرازي، (1/ 173)، والإنصاف، للمرداوي، (8/ 392)، لكن قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: "نقل الإمام عن المحققين القطع بأنه لا يصير طلاقًا بالنية؛ كما لو قصد بالظهار الطلاق"، وقال المرداوي كما في الإنصاف، (8/ 393): "وعنه – أي أحمد- هو فسخ، ولو نوى به الطلاق، اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله... وقيل: هو فسخ، ولو أتى بصريح الطلاق أيضًا إذا كان بعوض، واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله أيضًا".
[2] ينظر: المبسوط، للسرخسي، (5/ 32)، وبدائع الصنائع، للكاساني، (3/ 152)، والبحر الرائق، لابن نجيم، (4/ 77)، وحاشية رد المحتار، لابن عابدين، (3/ 488)، واللباب في شرح الكتاب، للميداني، (1/ 278).
[3] ينظر: الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبد البر، وبداية المجتهد، لابن رشد، (1/ 450)، والتاج والإكليل، (6/ 2).
[4] ينظر: الحاوي، للماوردي، (10/ 9)، والتنبيه، للشيرازي، (1/ 173)، والمنهاج، (1/ 335)، وروضة الطالبين، كلاهما للنووي، (7/ 375).
[5] ينظر: المغني، لابن قدامة، (8/ 181)، والإنصاف، للمرداوي، (8/ 392).
[6] ينظر: الحاوي، للماوردي، (10/ 9)، و المغني، لابن قدامة، (8/ 181).
[7] ينظر: سبل السلام، للصنعاني، (5/ 134).
[8] ينظر: نيل الأوطار، للشوكاني، (7/ 23).
[9] ينظر: المحلى، لابن حزم، (10/ 238)، ونيل الأوطار، للشوكاني، (7/ 23).
[10] ينظر: مصنف ابن أبي شيبة (4/ 109-118)، ومصنف عبد الرزاق (6/ 481)، والمغني، لابن قدامة، (8/ 181).
[11] المبسوط، (5/ 32).
[12] الكافي في فقه أهل المدينة، باب الخلع.
[13] الحاوي، (10/ 9).
[14] الإنصاف، (8/ 392).
[15] ينظر: المغني، لابن قدامة، (8/ 181)، والإنصاف، للمرداوي، (8/ 392)، وزاد المستقنع، (1/ 179)، وشرح منتهى الإرادات، (3/ 60)، وكشاف القناع، كلاهما للبهوتي، (5/ 216).
[16] ينظر: الحاوي، للماوردي، (10/ 9)، والتنبيه، للشيرازي، (1/ 173)، والمنهاج، (1/ 335)، وروضة الطالبين، كلاهما للنووي، (7/ 375)، ونقل الشيرازي في التنبيه، والشربيني في مغني المحتاج، (3/ 268) قولاً ثالثًا للشافعي: أنه ليس بشيء، ولا يحصل به لا فرقة طلاق، ولا فسخ.
[17] ينظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج، لابن حجر، وحاشية قليوبي، (3/ 313).
[18] ينظر: الحاوي، للماوردي، (10/ 9-10)، والمغني، لابن قدامة، (8/ 181).
[19] ينظر: الإنصاف، للمرداوي، (8/ 392)، وحاشية الروض المربع، لابن قاسم (11/ 416).
[20] ينظر: مصنف ابن أبي شيبة (4/ 118)، ومصنف عبد الرزاق (6/ 487).
[21] ينظر: الحاوي، للماوردي، (10/ 9-10)، والمغني، لابن قدامة، (8/ 181).
[22] الإنصاف، (8/ 392).
[23] روضة الطالبين، (7/ 375).
[24] ينظر: بداية المجتهد، (1/ 450).
[25] ينظر: الحاوي، للماوردي، (10/ 10)، وينظر كذلك: المبسوط، للسرخسي، (5/ 32)، والمغني، لابن قدامة، (8/ 181).
[26] الإنصاف، للمرداوي، (8/ 394).
رابط الموضوع:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]