لوازم تكفير المعين وشروطه !
نشرع ـ إن شاء الله ـ في بيان لوازم وشروط تكفير المعين، وهي:
1- انتفاء موانع التكفير :
بحيث لا يكون كفره أو ما أظهره من كفر بسبب يعذر لأجله؛ كأن يكون جاهلاً، أو حديث عهد بالإسلام، أو متأولاً، أو مكرهاً وغير ذلك من الموانع .
2- التبين والتثبُّت:
فمن شروط تكفير المعين، التبين من حقيقة كفر ذاك المعين، حيث لا يجوز تكفيره بالظن أو الشبهات من دون بينة ظاهرة تستلزم ذلك، كما قال تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ الحجرات:6. وقال تعالى:وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاًالنجم:28.
فلو نُقل لنا عن غائب معين ـ ممن نجهل حاله ـ أنه يقول الكفر أو يفعله، أو يعتقده، لا يجوز لنا أن نكفره مباشرة بعينه لمجرد هذا النقل ـ لاحتمال كذب ناقل الخبر، أو تحامله عليه، أو فهمه الخاطئ لمراد ما سمعه أو رآه من ذاك المعين ـ حيث لا بد من التبين والتثبت من صحة ما نقل عنه أولاً، ولا نجزم بكفره بعينه حتى تتوفر لدينا جميع القرائن الدالة على كفره .. والتي تمكننا من تكفيره بعينه.
وكذلك قوله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً النساء:94.
عن ابن عباس قال: مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - يرعى غنماً له، فسلم عليهم، فقالوا لا يسلم علينا إلا ليتعوذ منا فعمدوا إليه فقتلوه، وأتوا بغنمه النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فنزلت هذه الآيةيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا[ ].
وعنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - للمقداد بعد أن قتل رجلاً شهد أن لا إله إلا الله: كان رجلاً مؤمناً يخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته، وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة من قبل" البخاري.
أي كان يجب عليك أن تقبل ما أظهره من إيمان .. وتكف عن قتله .. فالشبهة التي حملتك على قتله قد مررتَ بها وعايشتها .. فهل تحب أن تُعامَل لأجلها .. كما عاملت هذا الرجل فقتلته لأجلها ..؟!
3- إقامة الحجة:
لتكفير المعين لا بد ـ بعد التثبت والتبين ـ من قيام الحجة الشرعية عليه فيما قد خالف فيه، إذا كان ممن يعذرون بالجهل، أو كان ما ظهر منه من كفر بسبب عدم بلوغه الخطاب الشرعي .. ثم يُقابل هذه الحجة بالرد، أو الإعراض، أو الجحود .. لقوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاًالإسراء:15. وقال تعالى:رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماًالنساء:165. وهذا المعنى قد تقدمت الإشارة إليه.
والحجة تقوم عليه بأي وسيلة توصل إليه الدليل الشرعي ـ قال الله قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ـ وبالقدر الذي يدفع عنه جهله وعذره فيما قد خالف فيه[ ].
هذه هي شروط ولوازم تكفير المعين فإذا تحققت وتوفرت بحق أي شخص معين .. وانتفت قبلها الموانع الآنفة الذكر .. تعين تكفيره بعينه ولا بد.
ـ شـرط فـاسـد:
هناك من يُضيف ـ إضافة لما تقدم ـ كشرط لتكفير المعين: شرط " الاستتابة "؛ حيث يشترطون استتابته من كفره أو ما أظهره من كفر ومخالفة قبل تكفيره .. وهذا شرط باطل، لم يقل به عالم معتبر، وهو بخلاف ما دلت عليه النصوص الشرعية، وما جرى عليه عمل السلف.
قال تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ التوبة:5. فحكم الله تعالى عليهم بالشرك وسماهم مشركين قبل أن يتوبوا أو يُستتابوا ..!
ثم أن الاستتابة تكون من شيء، فإذا لم يُحكم عليه بحكم معين كالكفر أو الردة، أو الفسوق ونحو ذلك .. فمما يُستتاب، ولما يُستتاب ..!
ويُقال كذلك: أن الاستتابة تكون فرصة أخيرة يُمنحها المخالف قبل قيام الحد عليه ليراجع نفسه ويُعود إلى الحق والرشد .. وقد قدرها بعض أهل العلم بثلاثة أيام للمرتد.
- الفرق بين إقامة الحجة والاستتابة :
كما لا يجوز أن يُخلط بين إقامة الحجة وبين الاستتابة؛ فإقامة الحجة ـ كما تقدم ـ تعني: إيصال المعلومة الشرعية التي تدفع العذر أو العجز عن المخالف فيما قد خالف فيه، بينما الاستتابة ـ كما تقدم ـ تعني أن يُمنح المخالف فرصةً أخيرة لمراجعة النفس والتوبة .. بعد إقامة الحجة عليه .. وقبل أن يُقام عليه الحد .. وليس قبل أن يُحكم عليه بالكفر أو الردة .. فتنبه لذلك!
المرجع : قواعد في التكفير .(69-71).
الشيخ : عبدالمنعم مصطفى حليمة .