الهــوى:
الهوى يكون بمعنى: الميل، والحب، والعشق ويكون في مداخل الخير والشر، ويكون معنى إرادة الشيء وتمنيته، وهوى النفس: إرادتها، قال تعالى:وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى معناه نهاها عن شهوتها وما تدعو إليه من معاصي الله سبحانه و تعالى.
ومتى تُكُلم بالهوى مطلقاً لم يكن إلا مذموماً، حتى ينعت بما يخرج معناه عن ظاهره كقولهم: هوىً حسنٌ، وهوىً موافق للصواب[ ].
ومنه يُعلم أن"الهوى" يُطلق ـ في الشريعة ـ ويراد به الكفر الأكبر، وأحياناً يطلق ويراد به الفسق الذي هو دون الكفر، وذلك بحسب الشيء المطاع أو المتبوع عليه؛ فإذا اتبع الهوى على الكفر وما يناقض الإيمان، وجعل منه إلهاً معبوداً مطاعاً من دون الله؛ لا يحل إلا ما أحله هواه، ولا يُحرم إلا ما حرمه هوه .. ولا يستحسن أو يُقبح إلا ما استحسنه أو قبحه هواه .. فالهوى في هذه الحالة يكون معبوداً من دون الله .. وهو يُطلق ويراد به الكفر الأكبر المخرج من الملة.
أما إذا اتُّبع في معصية هي دون الكفر، كشرب الخمر والزنى ـ من غير استحسان ولا استحلال ـ فالهوى في هذه الحالة يُطلق ويراد به الفسق والمعصية التي هي دون الكفر.
وإليك الدليل على كلا المعنيين: الهوى بمعنى الكفر، والهوى بمعنى الفسوق الذي هو دون الكفر.
ـ الهوى بمعنى الكفر الأكبر المخرج عن الملة:
قال تعالى:وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاًالكهف:28. وقال تعالى:وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَاالأنعام:150. وقال تعالى:وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍالبقرة:120.وقال تعالى:وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِن المؤمنون:71 وقال تعالى:أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً الفرقان:43. وقال:أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمالجاثـية:23. فالهوى الوارد في هذه الآيات يراد به الكفر الأكبر المخرج من الملة.
قال ابن تيميه في الفتاوى 8/359: فمن كان يعبد ما يهواه فقد اتخذ إلهه هواه، فما هويه إلهه، فهو لا يتأله من يستحق التأله، بل يتأله ما يهواه، وهذا المتخذ إلهه هواه له محبة كمحبة المشركين لآلهتهم، ومحبة عباد العجل له، وهذه محبة مع الله لا محبة لله، وهذه محبة أهل الشرك. والنفوس قد تدعي محبة الله، وتكون في نفس الأمر محبة شرك تحب ما تهواه وقد أشركته في الحب مع الله ا- هـ.
ومن ذلك أن يجعل من الهوى مصدراً من مصادر التشريع، والتحسين والتقبيح ـ كما هو حال أكثر أنظمة الأرض في هذا الزمان ـ فالحلال ما يراه الهوى حلالاً، والحسن ما يحسنه الهوى، والقبيح ما يقبحه الهوى وإن ضاد في ذلك شرع الله، وهذا من الشرك الأكبر، لإشراك الهوى مع الله سبحانه و تعالى في أخص خصائص الألوهية، فالله تعالى يقول:وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداًالكهف:26. وهؤلاء يُشركون الهوى مع الله في حكمه .. ويجعلون منه المصدر الأول من مصادر التشريع .. إن لم يكن الأول والأخير!
ولهذا لما قال القائل من بني تميم للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن حمدي زينٌ، وذمي شينٌ!قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:"ذاك الله". أي من يتصف بذلك هو الله الخالق ، وليس العبد المخلوق .. والعبد الذي يتكلف أو يستشرف ذلك فهو يستشرف خصائص الإلهية، ويعتدي على أخص خصائص وصفات الله تعالى التي تفرّد بها دون سائر خلق.
ـ الهوى بمعنى الفسق أو المعصية التي هي دون الكفر الأكبر:
كما في قوله تعالى:فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراًالنساء:135. وقوله تعالى:وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى.فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىالنازعـات:41. أي نهى النفس عن المحارم التي تشتهيها، وتميل إليها.
قال البغوي في التفسير، قال مقاتل: هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها ا- هـ.
ومن المعلوم من ديننا بالضرورة أن المعاصي مهما تعاظمت أو تراكمت ـ ما لم تكن شركاً أو قد مورست على وجه الاستحلال ـ فإنها لا توصل صاحبها إلى درجة الكفر الأكبر، ولا تخرجه من الملة.
من خلال ما تقدم يتبين: أن الهوى يُطلق أحياناً ويُراد به الكفر، وأحياناً يُطلق ويُراد به ما هو دون الكفر .. وكذلك صاحب الهوى فهو ليس كافراً على الإطلاق، كما أنه ليس دون ذلك على الإطلاق؛ حيث أنه أحياناً يكون كافراً، وأحياناً يكون فاسقاً، وذلك بحسب الهوى المذموم المتبع والمطاع، وحسب نوع الطاعة؛ فهناك فرق بين الطاعة الناتجة عن ضعف ونزوة يتبعها استدراك وتوبة، واعتراف بالخطأ، وبين طاعة الاستحلال والتحسين .. فالأولى لا تكفر والثانية تكفر، والله تعالى أعلم.
المرجع : قواعد في التكفير .
الشيخ : عبدالمنعم مصطفى حليمة .