الظـلمُ:
الظلم: هو مجاوزة الحد، ووضع الشيء في غير موضعه. وهو في الشرع كذلك نوعان: ظلم أكبر، وظلم أصغر، أو ظلم دون ظلم.
ـ الظلم الأكبر: هو رديف الكفر والشرك، يطلق ويراد به نفي مطلق الإيمان عن صاحبه؛ لأن أظلم الظلم الذي لا يعدله ظلم هو الإشراك بالله سبحانه و تعالى .. وأن تجعل لله تعالى نداً في أي خاصية من خصائصه وهو الذي خلقك .. كما أن أعدل العدل الذي لا يعدله عدل، هو توحيد الله سبحانه و تعالى وإفراده بالعبودية.
والأدلة على هذا النوع من الظلم كثيرة منها، قوله تعالى:إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌلقمان:13.
ولما أنزل الله سبحانه و تعالى:الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍالأنعام:82.قال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:أينا لم يظلم؟ فأنزل الله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.
قال ابن حجر في الفتح 1/87: ووجه الدلالةمنه أن الصحابة فهموا من قوله:"بظلم" عموم أنواع المعاصي، ولم ينكر عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وإنما بين لهم أن المراد أعظم أنواع الظلم وهو الشرك، فدل أن للظلم مراتب متفاوتة ا- هـ.
ومن الأدلة كذلك على هذا النوع من الظلم والذي يراد به الكفر والشرك، قوله تعالى:وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ الزخرف:39 . وقوله تعالى:فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَالأعراف:9. وقوله تعالى:وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ النحل:34. وقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِيالبقرة:150. وغيرها كثير من الآيات التي تدل على هذا النوع من الظلم والذي يراد به الكفر الأكبر.
ـ الظلم الأصغر: وهو ظلم دون ظلم؛ لا ينفي مطلق الإيمان عن صاحبه، كما لا ينفي عنه صفة الإسلام واسمه.
والدليل على هذا النوع من الظلم كما في قوله تعالى:وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهالبقرة:231. وقوله تعالى:قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهصّ:24. وقوله:وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهآل عمران:135. وقوله تعالى:قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَالأعراف:23 . فالظلم الوارد في هذه الآيات يراد به الظلم الأصغر الذي لا يترتب عليه ما يترتب على الظلم الأكبر المرادف للكفر والشرك.
وفي الحديث فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" الظلم الذي لا يغفره الله الشرك، قال الله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وأما الظلم الذي يغفره فظلم العباد فيما بينهم وبين ربهم، وأما الظلم الذي لا يتركه الله فظلم العباد بعضهم بعضاً حتى يُدبر لبعضهم من بعض"[ ].
ومنه يُعلم أن الظلم يطلق أحياناً ويراد به الكفر والشرك، وأحياناً يطلق ويراد به الذنب أو المعصية التي هي دون الكفر والشرك .. والذي يدلل على كلٍّ منهما القرائن المحفوفة بالنص .. أو نصوص أخرى ذات العلاقة بالموضوع.
ومن جميع ما تقدم نستخلص القاعدة التالية: أن كلَّ كفر شركٌ، وكلَّ شرك كفرٌ، وكل شرك كفر ظلم وفسق، وليس كلُّ ظلم وفسق كفراً وشركاً.
ـ قول أهل العلم في الكفر دون كفر، والفسق دون فسق، والظلم ظلم.
في قوله - صلى الله عليه وسلم -:" الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل". قال ابن تيميه في الفتاوى 7/67: قال ابن عباس وأصحابه: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وكذلك قال أهل السنة كأحمد وغيره ا- هـ.
وعن طاووس، قال: قلت لابن عباس: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فهو كافر؟ قال: هو به كفر وليسس كمن كفر بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله. وقال: كفر لا ينقل عن الملة[ ].
وعن ابن جريح عن عطاء قال: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق.
قال محمد بن نصر: قالوا: وقد صدق عطاء، قد يسمى الكافر ظالماً، ويسمى العاصي من المسلمين ظالماً، فظلم ينقل عن ملة الإسلام، وظلم لا ينقل. قال: وكذلك الفسق فسقان، فسق ينقل عن الملة وفسق لا ينقل عن الملة، فيسمى الكافر فاسقاً، والفاسق من المسلمين فاسقاً قال تعالى:وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ . يريد الكفار دل على ذلك قوله:كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا. ونسمي الفاسق من المسلمين فاسقاً ولم يخرج من الإسلام. قال تعالى:وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون . فقال العلماء في تفسير الفسوق هنا: هي المعاصي. قالوا: فلما كان الظلم ظلمين، والفسق فسقين، كذلك الكفر كفران. أحدهما: ينقل عن الملة، والآخر لا ينقل عن الملة، وكذلك الشرك شركان: شرك في التوحيد ينقل عن الملة، وشرك في العمل لا ينقل عن الملة وهو الرياء[ ].
المرجع : قواعد في التكفير . (22-23) .
الشيخ : عبدالمنعم مصطفى حليمة .