الفسـقُ:
فسَقَ كل ذي قشر، فسقاً؛ أي خرج عن قشره. ويقال فسقت الرطبة عن قشرها، والفأرة عن جُحرها. وفلان فسَق؛ أي عصى وجاوز حدود الشرع. ويقال: فسق عن أمر ربه؛ أي خرج عن طاعته[ ].
والفسق من حيث الدلالة الشرعية أيضاً نوعان: فسق أكبر يُخرج صاحبه من الملة، وفسق أصغر دون الفسق الأكبر.
ـ الفسق الأكبر: هو رديف الكفر الأكبر، والشرك الأكبر؛ حيث أنه يخرج صاحبه من الملة وينفي عنه مطلق الإيمان كالكفر والشرك، ويترتب عليه من أحكام ما يترتب على الكفر والشرك، كما في قوله تعالى: وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ البقرة:99. وقال تعالى: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ آل عمران:82. وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَالمائدة:47. وقال تعالى: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ التوبة:67. وقال تعالى: وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ النور:55. وقال تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ الحشر:19. فالفسق الوارد في هذه الآيات يُراد به الفسق الأكبر المخرج لصاحبه عن الملة.
ـ الفسق الأصغر: أو فسق دون فسق، وهو يُطلق على مرتكبي المعاصي التي لا تُخرج صاحبها من الملة، ولا تنفي عنه مطلق الإيمان، ولا مسمى ووصف الإسلام، كما في قوله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُواالحجرات:6. وقوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَج البقرة:197. وقوله: وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُم البقرة:282. فالفسوق الوارد في هذه الآيات يُراد به الفسق الأصغر.
وكذلك في الحديث فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" سباب المسلم فسوق ". وقال - صلى الله عليه وسلم -:" إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ". وقال - صلى الله عليه وسلم -:" لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلا ارتد عليه إن لم يكن صاحبه كذلك " البخاري. فالفسوق الوارد في هذه الأحاديث يراد به المعصية أو الذنب الذي لا يخرج صاحبه من الملة، ولا ينفي عنه مطلق الإيمان.
ومنه يُعلم أن الفسق يُطلق أحياناً ويُراد به الكفر الأكبر المخرج من الملة، وأحياناً يُطلق ويراد به الذنب والمعصية التي هي دون الكفر، بحسب درجة المعصية .. ونو عيتها .. وحال العاصي ذاته.
فإن قيل: كيف نفرق بينهما عند ورودهما في النص ..؟
أقول: من خلال القرائن الواردة في النص .. يُعرف أن المراد من الفسق؛ الفسق الأكبر أم الفسق الأصغر .. فالقرائن الواردة في النص ـ أو في نصوص أخرى ـ هي التي تعينك على معرفة هذا من ذاك.
المرجع : قواعد في التكفير . ص (18) .
الشيخ : عبدالمنعم مصطفى حليمة .