حديث : لو أننى أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها .
الخطأ الذى وقع فيه الفاهمون ــ غلطاً ــ لهذا الحديث هو إقتطاعه من سياقه .... وإهمال المناسبة التى قيل فيها .. فهذا الحديث له قصة ..... وقصته ـــ على إختلاف الراويات ــــ مفادها أن الصحابة رضوان الله عليهم أرادوا السجود للرسول صلوات الله عليه وسلامه إعترافاً بحقه ..... ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض ذلك ... وأوضح أنه لو كان ينبغى لبشر أن يسجد لبشر إعترافاً بحقه ــ كما يظنون ــ لأمر المرأة بأن تسجد لزوجها فحقه عليها من أعظم الحقوق والإعتراف به من أوجب الموجبات .... ولكنه لم يفعل ذلك .. لأن الإعتراف بالحق لا يجوز أن يكن بهذه الطريقة ... ولو كان هذا الحق عظيماً.
هذا كل ما فى الأمر ....... وليس معنى الحديث أنه لو كان السجود مباحاً لأمر المرأة أن تسجد لزوجها ...... فهذا فهم خاطئ والصواب : لو كان السجود إعترافاً بالحق لأمر المرأة أن تسجد لزوجها ولكن لأنه عبودية وإذلال فهو محرم لغير الله لا يجوز بحال .. والدليل على ذلك :
أولاً : سياق الحديث نفسه ومناسبته ..... فالمتأمل له يرى أنه لم يكن مقاماً لذكر حقوق الزوج أو فضله ..... ولكل مقام مقال ...... وكان رسول الله صلوات الله عليه وسلامه أفصح الناس وأبلغهم .
ثانياً : لو كان الفهم الأول صحيحاً .... فلماذا لم يأمرهن بما هو أدنى من ذلك وما ليس فيه حرمانية ؟
كتقبيل القدم أو اليد أو حتى الرأس ؟؟!! ..... أليس هو نفسه من ود لو أمرهن بالسجود لأزواجهن؟
كذلك فقد صح عنه أنه أمر رجلاً بلزوم قدم أمه .... فقال : أأمك حية ؟ فقال : نعم .... قال : فإلزم قدميها فثم الجنة ...... وعندما سأل إمرأة : أذات زوج أنتِ ؟ قالت : نعم .. قال : فأين أنتى منه ؟ قالت : لا ألوه إلا ما عجزت عنه .. فقال : فانظرى أين أنتى منه فإنه جنتك ونارك ....... ولم يأمرها بلزوم قدميه أو شئ من هذا القبيل .
بل قد ورد فى الصحيح أنه أمر الصحابة بالوقوف لسعد بن معاذ رضى الله عنه قائلاً : قوموا إلى سيدكم ولم يأمر المرأة بأن تفعل ذلك مع زوجها .
سؤال :
ولماذا ذكر المرأة وزوجها بالذات؟ .... لماذا لم يقل مثلاً : لأمرت الإبن أن يسجد لأبيه ؟ أو لأمه ؟
والجواب :
لأن إحترام الإبن لأبيه و أمه وإعترافه بحقهما نابع من الحب الذى يشاطره الرهبة .... بينما إحترام الصحابة للرسول صلوات الله عليه وسلامه وإعترافهم بحقه ورغبتهم فى السجود له نابع من المحبة الخالصة والتراحم فيما بينهم .... وهكذا يكون إعتراف المرأة بحق زوجها وإحترامها له .
وكذلك فقد أكدت الشريعة على حسن صحبة الوالدين لا الإعتراف بحقهما ... فحقهما لا يقبل الإنكار أصلاً .... يكفى أنهما السبب فى وجودنا فى الحياة ... بينما كثيرات هن اللواتى ينقصن حق الزوج ويجحدنه لذلك كان أكثر أهل النار نساءاً فجاءت الشريعة مؤكدة على الإعتراف بحق الزوج وعدم إنكاره دون غيره من الحقوق .... فجعل أولى الناس بحسن الصحبة الأم ثم الأب وجعل أولى الناس بالإعتراف بالحق وعدم جحوده الزوج .
فائدة :
ولكن المخطئين فى فهم هذا الحديث الشريف لهم عذرهم :
أولاً : شهرة هذا الشطر من الحديث دون القصة التى قيل فيها .
ثانياً : إستدلال العلماء بهذا الحديث على عظم حق الزوج .... وهو إستدلال فى محله ... ففعلاً حق الزوج عظيم وإلا لما كان الإعتراف به من أوجب الموجبات .... بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الإعتراف بحقه هو وبين الإعتراف بحق الزوج ...... نعم كان هذا على سبيل التمثيل .. والإقتران لا يعنى التساوى ... و لكن هذه القرينة فى حد ذاتها تدل على عظم حق الزوج .... وإلا لكانت لحناً ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلحن .. والأهم أنه نص على ذلك فى ذيل الحديث فقال : لعظم حقه عليها أو لما جعله الله عليها من الحق .
وحتى لو كان معنى الحديث كما يفهمه الناس ...... وهو أنه صلى الله عليه وسلم كاد أن يأمر النساء بالسجود لأزواجهن ..... فالسجود الذى يقصده ..... غير السجود الذى نفهمه ... فهو ليس سجود العبودية والإذلال ...... بل هو سجود الإحترام والإعتراف بالحق ليس إلا... فهذا هو السجود الذى أراده الصحابة رضوان الله عليهم ورفضه الرسول صلى الله عليه وسلم وحرمه .... حيث أن السجود فى حد ذاته بغض النظر عن مغزاه ... صار حركة من حركات الصلاة بل ركناً من أركانها ..... فصار محرماً لغير الله لا يجوز بحال .
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ
(( بعولتهن أحق بردهن فى ذلك إن أرادوا إصلاحاً )) :
مصدر كلمة ( بعل ) هو ( البعال ) وأصله فى اللغة العربية الإستعلاء ...... فسمى مالك الدار بعلاً لها لأنه مستعلى عليها والنبات الذى يستغنى عن السقى بعلاً لأنه إستعلى على أن يسقيه غيره وهكذا .
فظن بعض العلماء ــ و نكن لهم كل التقدير والإحترام ــ أن العرب أطلقوا هذا اللفظ على الزوج تلويحاً بسيادته عليها وإستعلائه فوقها ....... فجاءت الآيات القرآنية الكريمة التى نزلت باللسان العربى المبين ملوحة بهذا المعنى مشيرة إلى ما للزوج من سيادة على زوجته فيقول محمد الطاهر بن عاشور : لما جعلت الرجعة قهراً عن المرأة ذكرها الله بأن الزوج كان سيدها قديماً ... بتصرف .
وهذا التفسير غير صحيح ..... فالعرب عندما أطلقوا هذا اللفظ على الزوج لم يكونوا ملمحين إلى السيادة والإستعلاء كما ظنوا .... إنما قصدوا ( بالبعال ) التكنى عن الوطء .
والدليل على ذلك بسيط جداً ... أن المرأة يقال لها ( بعلة ) أيضاً ....
فإذا كان المقصود هو التلويح بالسيادة والتلميح إليها .... فمستحيل أن يطلق العرب هذا اللفظ على الزوجة ...... أليس كذلك ؟
إلا أن إستخدام هذا اللفظ مع الزوج كان أكثر شيوعاً .... لأنه هو الطالب وهو الراغب كما هو معلوم .
يقول الطبرى فى تفسيره لسورة آل عمران وقد كانت فحولته فى اللغة العربية أحد أسباب تلقيبه بإمام المفسرين
( قالت رب أنى يكون لى ولد )) أى من أى وجه يكون لى ولد أمن قبل زوج أتزوجه وبعل أنكحه؟أو تبتدئ فى خلقه بغير بعل ولا فحل ؟
ثم قال : يعطى الولد من يشاء من غير فحل ومن فحل ويحرم ذلك من النساء وإن كانت ذات بعل .
وفى تفسير الحاوى : الزوج لا يكون بعلاً للمرأة إلا بعد أن يدخل بها .
ولعلنا نفهم الآن سبب إطلاق هذا اللفظ على الزوج فى هذا الموضع ..... فالزوج الذى لم يدخل بزوجته ولم (يباعلها) .... لا رجعة له عليها شرعاً ..... وعليه فلفظة ( بعل ) هنا أدق من لفظة زوج وأنسب .
ونأتى إلى المواضع الأخرى التى ذكرت فيها هذه الكلمة :
وإن إمرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ..... فهنا كناية عن فقدان المرأة تلك الصفة .
ولا يبيدين زينتهن إلا لبعولتهن ...................... وهذا موضع زينة .
هذا بعلى شيخاً .............................. ............ كناية عن عدم مقدرة زوجها على الإنجاب .
أتدعون بعلا .............................. ............... وهذا إسم صنم لا علاقة له بالأمر أصلاً .
أما كون الرجعة تحدث قهراً عن المرأة ودون رضاها .... فهذا ليس لأنها أمة الرجل وهو سيدها .....
بل لأن هذا هو الطبيعى وهو البديهى !!!!!
فالطلاق ما هو إلا فسخ مؤجل لعقد الزواج من جهة الرجل ..... وأجله ثلاثة أشهر .
فكأن الرجل عندما يطلق زوجته يعلن أنه سيفسخ عقده معها ولكن بعد مضى ثلاثة أشهر لا يقربها فيهم ....... وأثناء هذه المدة لاتزال الزوجية بينهما قائمة ... ولها النفقة والسكنى ... بل إن مات أحدهما يرثه الآخر .... لأن عقد الزواج لم يرفع بعد .... بل مازال قائماً .
فإذا تراجع الزوج عن هذا القرار خلال هذه المدة .... فمن يستطيع أن يجبره عليه ؟
فالقرار قراره ..... والعقد عقده ..... وكيف يجبر المرء على فسخ عقده من جهته بغير رضاه؟؟!!
وإذا إعترضت المرأة ...... فعلام تعترض ؟
هى لازالت مرتبطة به بعقد النكاح ...... فعلام تعترض ؟
أما إذا كرهت هى البقاء معه ...... فلها أن تفسخ عقدها بالخلع .
وعلى سبيل المثال : إذا إشترطت المرأة على زوجها شرطاً عند العقد ..... فما معنى هذا الشرط ؟
معناه : إن خالفت هذا الشرط فسأفسخ عقدى معك .
فإذا جاء الرجل وخالف ما إشترطته عليه ..... يكن لها حرية فسخ العقد أو إبقائه ... ولا تجبر على فسخه بسبب القرار الذى إتخذته فى وقت سابق .
أسئلة متشبهون :
وكيف يبيح الله للرجل أن يترك زوجته معلقة هكذا ثلاثة أشهر ؟
إنما هذه الفترة جعلت لكى يتروى الزوج الذى لا يطيق زوجته ويحب فراقها وينظر فى حاله .... ولهذا لا يمكنه إسقاط الرجعة ... ولا يمكن إجبار أحد على معاشرة من لا يطيق ولا يريد ... هذا غير معقول.
وماذا لو طلق الرجل زوجته فقط رغبة فى إبقائها معلقة إذلالاً وليس لأنه فعلاً لا يطيقها ؟
هذا أيضاً غير منطقى .... فليس من مصلحته ذلك فإنه ملزم بالنفقة عليها وإسكانها طوال هذه المدة ومستحيل أن يمتنع عنها وهو يشتهيها فهو هكذا يعاقب نفسه لا يعاقبها هى .
وبالنسبة لها ففى كل الأحوال لن تتزوج قبل مضى ثلاثة أشهر .
وما ذنب المرأة كى تنتظر ثلاثة أشهر بلياليها بلا زوج ؟
ليس لها أى ذنب ..... ولكن الأمر ليس على هذا النحو ...... فالمرأة عاطفية بشكل زائد .. وقد تدفعها ثورتها لكرامتها من الزواج بأى شخص حتى ولو كان غير مناسب لها .... لهذا كان لابد من إمناحها فرصة تتروى فيها وتتدبر حالها بتعقل وهدوء حتى تداوى جراحها وتنظر بعين العقل لا بعين العاطفة وليس لأنه يجب أن تذق الحرمان بعد فراقه .... فالمرأة إذا مات عنها زوجها أو طلقها وكانت حاملاً لها أن تتزوج بمجرد أن تضع وليدها ..... ولو قبل دفن الزوج المتوفى .. لأن الإبن الذى أتى للحياة سيجعل ( الأم ) تفكر ألف مرة قبل الزواج من شخص آخر ...... ولو سقط الجنين ..... فدموع الحزن تخمد نار الكبرياء والتشفى .
نعم , ولكنه قد يطلقها حتى تكاد تنتهى عدتها فيراجعها ليرفع عن نفسه حرج عدم الوطء وفى الوقت ذاته يحرمها من التزوج بغيره ؟
ما كان الله بغافل عن ذلك .......
فقد أكد على حرمانية هذا الفعل القبيح وهذه الإرادة المنكرة فقال : ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه .
وشرط الرجعة بإرادة الإصلاح .......... فقال : بعولتهن أحق بردهن فى ذلك إن أرادوا إصلاحاً ...... ولعلمه بأن هذه الإرادة مما يصعب نفيها ............
حدد المرات التى يملك الزوج الرجعة فيها على زوجته ..... فقال : الطلاق مرتان ..... فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .
ولماذا هذا الحق للرجل فقط ؟ ..... أليس من حق المرأة أن ترفض الحياة مع من لا تطيق وتمتنع عن معاشرته كذلك ؟
وما كان ربى نسيا ...... فقد جعل من حقها أن تختلع منه وترد له ما أمهرها إياه .... فإن أبى رفعت أمرها للقاضى فيحاول الإصلاح بينهما ببعث حكمين حكم من أهله وحكم من أهلها .... فإذا تعذر الإصلاح حكم لها بالتفريق على الصحيح من أقوال العلماء .
فكما أن الطلاق له وعليه تبعاته .... فالخلع لها وعليها تبعاته .... وفى كلا الحالين ... يجب أن يتروى الطرفان ويمنحان فرصة لإصلاح ما بينهما حتى لو أبيا ذلك .
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ
إنما هن عندكم عوان ..........
نجد ابن القيم الجوزية ومن قبله شيخ الإسلام ابن تيمية ـــ رحمهما الله ــــ يستشهدان بهذا الحديث على وجوب خدمة المرأة لزوجها ..... لأن مرتبة الأسير والعبد خدمة من هو تحت يده ..... بل صرح إبن القيم بأن المرأة مملوكة لزوجها رقيقة بنكاحها منه ... فقال: )) ولا ريب أن النكاح ضرب من ضروب الرق)) .... ونقل عن بعض السلف قولهم : إنما النكاح رق .. فلينظر أحدكم أين يضع كريمته
ولأنهما من فقهاء الحنابلة ..... فقد كانا يحتجان بالأحاديث الضعيفة والمرسلة ..... والذى دفعهما لهذا التفسير أحاديث كهذه : لو أن رجلاً أمر إمرأته أن تنقل من جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نولها أن تفعل ...... وهو حديث ضعيف لا يصح ثبوته إلى النبى صلى الله عليه وسلم .
وهذا الأثر عن زيد بن ثابت : الزوج سيد فى كتاب الله ( ألفيا سيدها لدى الباب ) ..... ولم أجد له إسناداً .. بل ما وجدته إلا معلقاً ... وعلى فرض صحة الأثر فلا يلزم صحة معناه ..... فليست هذه الآية عامة فى كل زوج بل هى تخص العزيز وزوجته .... بالإضافة إلى أنه فى كثير من الآيات سمى الله الزوجة : بالصاحبة ... فهى إذاً شريكة الزوج فى رحلة الحياة .... والقاعدة العامة التى حددت أدوار كل من الزوجين فى كتاب الله هى : الرجال قوامون على النساء .... والقيام على الشئ الأصل فيه لغة هو التكفل به وليس التسلط عليه ... ولكن ... لما كانت السلطة ضرورية للقيام بالأمر والنهوض به ... منحت للرجل فعلى سبيل المثال : مهمة المعلم الأساسية منح الطلاب العلم الذى يحتاجونه .... ولكن قد يحتاج أحياناً لتأديبهم أو لمنعهم من بعض الأمور حتى يستطيع أن يمارس مهمته ... فكان لابد من إعطائه السلطة التى تعينه على ذلك .
ولما كلف الرجل بحماية زوجته والذب عن شرفها وإيقائها شر النار ..... منح كذلك حق التأديب عند العصيان والعناد .... حتى يتمكن من أداء مهمته التى كلف بها .
لهذا فالتفسير الذى ذهب إليه هذان العالمان الجليلان .... لا يصح ......
والدليل على ذلك :
لغة :
إذا أخذنا المعنى الحرفى لهذه الكلمة وبحثنا عنه لغة فماذا سنجد ؟
العانى : هو المجبور المقهور ..... ومنه : أخذ الشئ عنوة .. وإنما سميت المعاناة معاناة لأنها تحدث للمرء جبراً عنه .... وسمى الأسير عانى ..... لأنه يجبر على الأسر عنوة ....
هذا هو المعنى اللغوى لهذه الكلمة ...... والأصل فى المعانى الحقيقة لا المجاز مادام لم تصرفنا صارفة .... ولكن الصارفة موجودة ..... فالمرأة لا تتزوج إلا برضاها بكراً كانت أم ثيباً وزوجها لا يأخذها عنوة !!!! .. ولذلك فهذا اللفظ لا يمكن أن يكون معبراً تعبيراً حقيقياً عن حال الزوجة .
فهو تعبير مجازى ...... وهو تشبيه بليغ .... مجرد تشبيه للزوجة بالأسيرة ..... ويكفى فى التشبيه وجود وجه واحد للشبه .... وقد تتعدد الأوجه .
وإذا نظرنا ــ بهدى النبى صلوات الله عليه وسلامه ــ للزوجة وحالها .... لوجدنا أنها تشبه العانية فى أنها ضعيفة لا تنتصر لنفسها ..... محبوسة لحق زوجها فيها .. كما يحبس الأسير لحق آسره فيه. وتفسيراً :
((إستوصوا بالنساء خيراً )) ....... أى أنى أوصيكم بالنساء خيراً فإقبلوا وصيتى ..... (( فإنما هن عندكم عوان )) .... فإنما هن محبوسات عندكم لحقكم فيهن ... ــ وإنما وسيلة قصر والجملة تعليلة لما سبقها ـــ .... فلا يغرينكم إحتباسهن وضعفهن بظلمهن .... فإنكم (( لا تملكون منهن شيئاً غير ذلك )) ...... (( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة )) فعندها تملكون عليهن حقاً آخر وهو التأديب .... (( فإن فعلن فاهجروهن فى المضاجع واضربوهن .. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا )) .
وبعد أن فرغ رسول الله صلوات الله عليه وسلامه من أصل الحقوق ووضع حجر الأساس ... إتجه إلى الفروع فأوضح بعض الحقوق الأخرى وهى متبادلة بين الزوجين .... فقال : ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقا .............. إلى آخر الحديث .
وفقهاً :
لا يجوز قياس الأمة المملوكة على الزوجة الحرة .... فكلتاهما لها حقوق تختلف عن الأخرى ... فالزوجة مثلاً لها حق الوطء بخلاف الأمة .... ولا يعزل عنها إلا بإذنها بخلاف الأمة .... ولا يجوز لزوجها أن يأخذ من مالها بدون رضاها بخلاف الأمة فهى عينها ملك لسيدها ولذلك فكل ما تملك ملك له......... وكل هذا الذى ذكرت أقر به الحنابلة أنفسهم !!!
أما ما نقل عن جماعة من السلف بأن (( النكاح رق .... فلينظر أحدكم أين يضع كريمته )) فلعلهم قصدوا أن المرأة تكون فى بيت زوجها لا تخرج منه إلا بإذنه أو أنه لا مخلص لها من رابطة الزواج إلا الفدية التى تفتدى نفسها بها .... والله أعلم بمرادهم .... وعلى كل حال ......
فالزواج لا يقوم على الإسترقاق والتسلط ....... بل يقوم على السكن والمودة والرحمة ...... كما قال الله تعالى : (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ))
فائــــــــــــ دة :
ومن الطرائف التى قرأتها .... قول بعض المشتغلين بالرد على الشبهات ــ أمثالى ــ : إن الذى دفع
إبن القيم وإين تيمية لهذا التفسير هو العصر المملوكى الذى عاشا فيه !!!!
وطبعاً ... هذا كلام لا يصح .... فإبن القيم الجوزية وإبن تيمية ــ رحمهما الله ــ ..... كانا من جهابذة العلماء وأشرافهم وما كانا ليتبعان الأهواء ..... وما كانا ليجاملان الذكورية !!!!
فهما وغيرهما من فقهاء الحنابلة على سبيل المثال لا الحصر ..... من أقروا بحق المرأة إشتراط عدم التزوج عليها وحقها فى فسخ العقد إذا خالف الزوج هذا الشرط .... فى الوقت الذى قال الجمهور بخلاف ذلك ....... وهم من أقروا بحق الزوجة فى الوطء بقدر حاجتها وقدرة الزوج تماماً كالرجل فى الوقت الذى قال غيرهم بخلاف ذلك .
ولكن هؤلاء المشتغلين بالرد على الشبهات قالوا ذلك لأنهم ظنوا أن التفسير الذى ذهب إليه ابن القيم وإبن تيمية ــ رحمهما الله ـــ يمنح للرجل حق إحتقار زوجته وإذلالها وهذا ظن فاسد وبعيد تمام البعد عما أقره هذان العالمان الشريفان ... فحتى العبد الذى إشتريته بمالك وهو سلعة تباع وتشترى ...... لا يجوز لك تحقيره أو إذلاله قال صلى الله عليه وسلم فى صحيح البخارى : (( إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليبلسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم )) .
وكان سبب هذا القول أن أبو ذر الغفارى سابب رجلاً وعيره بأمه لأنها كانت أمة فما كان من رسول الله صلوات الله عليه وسلامه إلا أن قال له : إنك إمرؤ فيك جاهلية ..... ثم صعد المنبر وقال الحديث المذكور .
وكذلك قال صلى الله عليه وسلم فى الصحيح : (( لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر))
والكبر : هو رفض الحق وإحتقار الناس .
لهذا فلا يجوز لنا أن ننسب لهذين العالمين الجليلين ما لم يقولاه وأن نحمل كلامهما ما لا يحتمل ..... فما كانا ليبيحان ما حرم الله بأى حال من الأحوال
ولكنهما أرادا فقط إثبات وجوب خدمة المرأة لزوجها وطاعتها له فى كل ما يأمرها به حتى ولو كان ما يأمرها به شاقاً ولا فائدة فيه .... لأنك إذا وضعت حديث الجبال ( الضعيف ) بجانب أثر زيد بن ثابت ( المعلق ) .... بجانب لفظة عوان ( المجازية ) ...... لا تملك إلا أن تصل لنفس النتيجة التى وصلا إليها ولا تملك إلا أن تفسر لفظة ( عوان ) إلا كما فسراها ...... رحمهما الله وغفر لهما وأثابهما على إجتهادهما .
فائدة أخرى :
فى وجوب خدمة المرأة لزوجها خلافاً بين العلماء ..... ولم تكن هذه فقط هى أدلة إبن القيم وإبن تيمية رحمهما الله ... بل كان لديهما أدلة أخرى .... أظن أقواها : أن المشروط عرفاً كالمشروط شرطاً ... فإذا ذهب العرف لوجوب ذلك على الزوجة ... كان ذلك واجباً عليها .
والفريق الآخر كان له أدلته أيضاً ..... وأحسب أقواها : أن المرأة لا تلزم بخدمة طفلها ولا برضاعته بل لها الحق فى طلب أجر على ذلك رغم أن العرف إشترط هذا ... ولكن الشرع أبطل هذا الشرط .... و إذا كان هذا فى حال طفلها ففى غيره أولى ....... والله أعلم بالصواب .
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ
(( خذوا نصف حديثكم من هذه الحميراء )) .
هذا الحديث يستخدمه المتشبهون بطريقتين :
الأولى : إدعاء أن رسول الله صلوات الله عليه وسلامه يشتم به عائشة رضى الله عنها .
والثانية : الطعن فى حيائه صلى الله عليه وسلم .... قاتلهم الله وعاقبهم بما يستحقون .
من قال بالقول الأول : فهو جاهل .... جاهل باللسان العربى ..... فهو حسب أن ( حميراء ) تصغير (حمارة) وهذا ظن فاسد بلا ريب ...... فـ ( حمارة ) تصغيرها ( حميرة ) ..... أما حميراء فهى تصغير لـ ( حمراء ) ..... وكان العرب يطلقون هذا اللفظ على المرأة شديدة البياض لإحمرار وجهها دائماً .
ومن قال بالقول الثانى : فهو متجاهل ..... متجاهل لسيرة النبى صلى الله عليه وسلم التى تفوح بالحياء فى كل تصرفاته وأقواله حتى أنه كان يستحى أن يمد رجله بين أصحابه .... فيقولون : وكيف يغازل زوجته بهذا اللفظ على الملأ ؟
فنقول : هذا الحديث حكم عليه ابن عثيمين رحمه الله بالوضع .... وقد ورد هذا اللفظ فى أحاديث أخرى لا أملك تصحيحها أو تضعيفها ..... ولكن لنفرض ــ للتنزل مع المجادل ــ صحتها ..... فهو لم يقل لها لفظ مشين أو معيب .... بل لفظ يستخدمه العرب عموماً ولو وجد أعداء الدين من الكفار واليهود وقتها ما يطعنون به فى حياء النبى ما سكتوا .... ولكن هذا اللفظ إن دل على شئ إنما يدل على رقة الرسول صلوات الله عليه وسلامه وتلطفه مع أهله .... صلى الله عليه وسلم كان أجمل الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً .
ملحوظة أخيرة :
قد يظن البعض أننى كتبت هذا البحث تعصباً لبنى جنسى ... ولكن لا والله .... إنما سعيت للحق .... ولم أبغ سواه .... وإن كان لدى أى أحد نقد أو إعتراض فأنا أرحب به وأشكره عليه ..... ولكن السبب الحقيقى الذى دفعنى لكتابة هذا المقال هو كثرة إستشهاد العوام بالنصوص المذكورة ليبيحوا لأنفسهم ما حرم الله عليهم ... حتى أننى قرأت كلاماً لرجل يدعى أن من أبسط حقوقه أن تقبل زوجته قدميه !! ولم يعمل وربما لم يعلم بالحديث الشريف القائل : من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار .
وآخر يجبر زوجته على خدمة أهله ..... وآخر يجبر زوجته على ما تكرهه النفوس وتستقذره .... وإذا إعترضن عمدوا إلى تلك النصوص فجعلوها حبالاً تلف حول رقابهن ...... ووالله ما كانت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة حبال هلاك أبداً .... بل كانت وستظل حبال نجاة .
للأسف ...... وصل حال المسلمين إلى وضع محزن ...... نسأل الله أن يهدينا جميعاً إلى طريق الخير والرشاد وأن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى .