الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
فإن لعلم أصول الفقه أهمية بالغة في استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها المعتبرة في الشرع ،و عن طريقه يتمكن الفقيه من الوصول للحكم بسهولة ويسر ،ويتمكن من معرفة الراجح من المرجوح من أقوال الفقهاء و تمييز الأقوال الصحيحة من السقيمة ، وكان أصول الفقه ولازال وسيلة لدفاع عن الدين .
و فائدة أصول الفقه لا تقتصر على استنباط الأحكام الفقهية وحسب بل تتعدي إلى جميع الأحكام الشرعية فلا يستغني عن أصول الفقه فقيه و لا مفسر و لا محدث و لا شارح للعقيدة فهو علم لتفسير النصوص ،والترجيح بين الأقوال ،و به يفهم مراد الله و مراد رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
ولذلك التعمق في أصول الفقه ،و تطبيق الأصول على الفروع ينمى الملكة الفقهية و القدرة على الاستنباط ، ومع كثرة التطبيقات على مباحث الأصول تزداد الملكة و كفى بهذه فائدة .
وسوف نتناول في هذا البحث ثلاثين مثالا على مفهوم المخالفة ،و مفهوم المخالفة أحد مباحث أصول الفقه أملا في تنمية الملكة الفقهية لدى القارئ و لزيادة قدرته على الاستنباط بكثرة الأمثلة و التطبيقات و في مقالات لاحقة بإذن الله سنتناول تطبيقات على مباحث أخرى و الله ولي التوفيق ربيع أحمد.
قبل الشروع في ذكر الأمثلة على مفهوم المخالفة لابد أن نلقي الضوء قليلا على تعريفها ، ،فنقول مفهوم المخالفة هي دلالة اللفظ على انتفاء حكم المنطوق عن المسكوت عنه لانتفاء قيد معتبر في ذلك الحكم أي تعليق الحكم على قيد إذا انتفى القيد انتفى الحكم ، وهذا القيد قد يكون صفة أو شرط أو غاية أو عدد أو قصر وحصر .
وقيل مفهوم المخالفة هو الاستدلال بتخصيص الشيء بالذكر على نفي الحكم عما عداه ، ومعنى ذلك: أنه إذا خص شيء بالذكر ونطق به وصرح بحكمه ،فإنا نستدل بذلك على أن المسكوت عنه يخالفه في الحكم، فإن كان المنطوق به قد أثبت حكمه، فالمسكوت عنه قد نفي عنه ذلك الحكم، وإن كان المنطوق به قد نفي حكمه ، فالمسكوت عنه قد أثبت له ذلك الحكم[1].
وسمي مفهوم مخالفة؛ لأن الحكم الذي يثبت للمسكوت نقيض للحكم المنطوق به مختلف عنه[2].
الأمثلة :
مثال 1 : قوله تعالى : ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [ الحجرات الآية 6] عبارة النص : التثبت و التبين في خبر الفاسق ،ومفهوم الآية : إذا انتفى الفسق بأن كان المخبر ثقةً عدلاً قبل الخبر من غير تثبت ولا توقف.
مثال 2 : قوله تعالى : ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [ الطلاق من الآية 6 ] عبارة النص : وإن كانت المطلقة طلاق البتة أي طلقها ثلاث مرات ﴿ فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ﴾ أي أسكنوهن وأنفقوا عليهن إلى أن يلدن[1] فتجب النفقة للبائن بفسخ أو طلاق إذا كانت حاملاً ، ومفهوم الآية : أنهن إذا لم يكنَّ حوامل لا يُنْفَقُ عليهن ، إذ لو كانت البائن لا نفقة لها مطلقاً لم تُخَصَّ الحامل بالذكر ، فدل على أن البائن غير الحامل لا نفقة لها .
مثال 3 : قوله تعالى : ﴿ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ﴾ [ النساء من الآية 4] عبارة النص : فإن طابت نفوسهن باعطائكم شيئا من الصداق من غير ضرار ولا خديعة فكلوه هنيئا مريئا ولا ذنب عليكم ولا إثم فى أخذه[2] ، ومفهوم الآية : لا يجوز للرجل أن يأكل شيئا من مال امرأته إذا لم تطب نفسها .
مثال 4 : قوله تعالى : ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [ البقرة من الآية 187 ] عبارة النص : إباحة الأكل و الشرب في ليالي الصوم حتى طلوع الفجر، ومفهوم الآية : حرمة الأكل والشرب بعد طلوع الفجر.
مثال 5 : قوله تعالى : ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ [ البقرة من الآية 222 ] عبارة النص : عليكم أيها المؤمنون أن تمتنعوا عن مباشرة النساء في زمن حيضهن ، و لا تجامعوهن حتى يطهرن من ذلك[3]، و مفهوم الآية : في غير زمن الحيض غير منهيين عن مباشرة المرأة ،و لا نقول يجب مباشرة المرأة .
مثال 6 : قوله تعالى : ﴿ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ﴾ [ البقرة من الآية 230 ] عبارة النص : فإن طلقها الثالثة - بعد الطلقتين اللتين سوغ الله سبحانه - له الرجعة بعد كل منهما، في أثناء العدة - فلا تحل له مراجعتها في عدتها، أو العقد بعد انقضائها من هذا الطلاق الثالث، حتى تتزوج زوجًا غيره، بعد انقضاء عدتها منه، على أن يكون الزواج الثاني زواجًا شرعيًا صحيحًا، وأن يجامعها فيه[4] ، ومفهوم الآية : حل زواجها بمطلقها الأول إذا تزوجت زوج ثاني زواجا شرعيا ثم طلقها و انقضت عدتها .
مثال 7 : قوله تعالى : ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [ التوبة من الآية 113 ] عبارة النص : ما يليق ولا يحسن للنبي وللمؤمنين به ﴿ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ أي: لمن كفر به، وعبد معه غيره ﴿ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ فإن الاستغفار لهم في هذه الحال غلط غير مفيد، فلا يليق بالنبي والمؤمنين، لأنهم إذا ماتوا على الشرك، أو علم أنهم يموتون عليه، فقد حقت عليهم كلمة العذاب، ووجب عليهم الخلود في النار، ولم تنفع فيهم شفاعة الشافعين، ولا استغفار المستغفرين [5] ومفهوم الآية : مشروعية الاستغفار للمؤمنين.
.
مثال 8 : قوله تعالى: ﴿ والله لا يُحِبُّ الفساد ﴾ [البقرة من الآية 205] عبارة النص : لا يحب الله ،ولا يرضى بالفساد ولا يقره، بل يعاقب عليه في الدنيا والآخرة، فاحذروه وخافوه[6] ،ومفهوم الآية : أن الله يحب الصلاح والصالحين .
مثال 9 : قوله تعالى: ﴿ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾ [البقرة من الآية 196] وحلق الرأس أو تقصيرها شعار الانتهاء من الإحرام، والتحلل من تلك الشعيرة المباركة، كما أن السلام مظهر الخروج من الصلاة، وانتهائها، أو قطعها عند الاضطرار إلى قطعها. وقد بين الله سبحانه أن المحرم عند الاضطرار بالإحصار، يكون له التحلل بذبح الهدى، وتحري اليسير دون العسير؛ ولكن لَا يتم التحلل ولا يسوغ الحلق أو تقصير الشعر الذي هو مظهره إلا بعد أن يبلغ الهدى مَحِلَّه، ويذبح عند بلوغه محله[7] ،وَمَفْهُومُ الآية : إِذَا بَلَغَ الهدي محله فاحلقوا رؤوسكم .
مثال 10 : قوله تعالى: ﴿ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾ [ النحل الآية 23 ] عبارة النص : إن الله لا يحب المستكبرين عن توحيده ، و الاستجابة لأنبيائه ورسله، بل يبغضهم أشد البغض، وينتقم منهم أعظم الانتقام [8] ،و مفهوم الآية : أن الله يحب المتواضعين الخاضعين له سبحانه المستسلمين لأوامره .
مثال 11 : قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [ البقرة الآية 234 ] عبارة النص : فإذا أتممن عدتهن وانتهت مدة التربص والانتظار فلا إثم عليكم أيها المسلمون أن تفعل المرأة ما كان محظورا عليها قبل ذلك من التزين والتعرض للخطّاب والخروج من المنزل على الوجه المعروف شرعا وعرفا[9]،و مفهوم الآية : إنهن لو فعلن ما ينكر الشرع فعليهم أن يمنعوهن فإن النهى عن المنكر واجب فإن قصروا فيه فعليهم الجناح[10] أي لو خرجن عن المعروف شرعا بأن تبرجن وأظهرن ما أمر الله بستره فإنه في هذه الحالة يجب على أوليائهن أن يمنعوهن من ذلك[11] .
مثال 12 : قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [ التوبة من الآية 84 ] الآية فيها : تحريم الصلاة على الكافر، والوقوف على قبره، وأن دفنه جائز ،و مفهوم الآية : مشروعية الصلاة على المسلم ، والوقوف على قبره .
. مثال 13 : قوله تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [ النساء من الآية 165 ] مفهوم الآية : لَوْلَا إِرْسَالُ الرُّسُلِ لَكَانَ لِلنَّاسِ أَنْ يَحْتَجُّوا فِي الْآخِرَةِ عَلَى عَذَابِهَا وَعَلَى عَذَابِ الدُّنْيَا الَّذِي كَانَ أَصَابَهُمْ بِظُلْمِهِمْ ، وَاسْتَدَلَّ بِهَا كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى امْتِنَاعِ مُؤَاخَذَةِ اللهِ النَّاسَ وَتَعْذِيبِهِمْ عَلَى تَرْكِ الْهِدَايَةِ الَّتِي لَا تُعْرَفُ إِلَّا مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ[12] .
مثال 14 : قوله تعالى : ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾[ النساء من الآية 3 ] مفهوم الآية : إذا لم يخف الظلم فيجوز له الزواج بأكثر من واحدة إلى أربع زوجات فيباح الزيادة على الواحدة إذا أمن الجور بين الزوجات المتعددات.
مثال 15 : قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾[ الجمعة من الآية 1 ] دلت الآية على وجوب السعي إلى الجمعة بعد النداء ،و مفهوم الآية : قبل النداء لا يجب السعي إلى الجمعة .
مثال 16 : قوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾[ النور من الآية 4 ] أي والذين يتّهمون العفيفاتِ من النساء بالزنا، ثم لا يُثبتون ذلك بأربعة شهود عدولٍ يشهدون انهم رأوا ذلك بالعين، فعاقِبوهم بالضرب ثمانية جلدة[13] ،و مفهوم الآية : قذف غير المحصن لا يوجب الحد لكن يوجب التعزير .
مثال 17 : قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : « إنما الأعمال بالنيات »[14] عبارة النص : إنما ثواب الأعمال على حسب النية ،ومفهوم الحديث: عند عدم وجود نية أو وجود نية فاسدة ينتفي الثواب .
مثال 18: قولنا : لا إله إلا الله ،و عبارة النص : لا معبود بحق غير الله ،ومفهوم المخالفة : غير الله ليس معبود بحق .
مثال 19 : قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: « لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين »[15] عبارة النص : النهي عن لبس المحرمة للنقاب أو القفازين ،ومفهوم المخالفة : غير المحرمة ليست منهية عن لبس النقاب .
مثال 20 : قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: « لا تقولوا للمنافق سيد »[16] مفهوم الحديث أن غير المنافق ليس منهي عن قول سيد سيد له ، ولا نقول يجب أن نقول له سيد .
مثال 21 : قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: « من حلف بغير الله فقد أشرك »[17] يفهم من الحديث أن من حلف بالله لا ينطبق عليه هذا الحكم ألا و هو الشرك ، و ليس المفهوم من الحديث أن من حلف بالله فهو مسلم فقد يحلف بالله ويكون كافرا فالحديث ذكر حكم الشرك لمن يحلف بغير الله فالذي يحلف بالله لا ينطبق عليه حكم الشرك .
مثال 22 : قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: « لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم » [18] مفهوم الحديث أن الخلوة بالأجنبية مع ذي محرم ليست منهي عنها .
مثال 23 : قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: « لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو بعده »[19] مفهوم الحديث أن غير يوم الجمعة غير منهي عن صيامه ، ولا نقول يجب صيامه .
مثال 24 : قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: « من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة »[20] ، هذا منطوق الحديث، ومفهومه أن من لم يدرك ركعة كاملة من صلاة الجمعة لم يدرك صلاة الجمعة فيصليها أربعا
مثال 25 : قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ »[21] ، و مفهوم الحديث : أن من لم يفقهه الله في الدين لم يرد به خيراً .
مثال 26 : نذر رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينحر إبلاً ببُوانة ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنى نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قالوا: لا. قال: "هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ " قالوا: لا. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « أوفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم »[22] دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ تَقَرُّبًا لِلَّهِ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ ، فَلَا بَأْسَ بِإِيفَائِهِ بِنَذْرِهِ، بِأَنْ يَنْحَرَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمُعَيَّنِ ، إِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ بِهِ وَثَنٌ يُعْبَدُ، أَوْ عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ فِيهِ وَثَنًا يُعْبَدُ، أَوْ عِيدًا مِنْ أَعْيَادِ الْجَاهِلِيَّةِ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّحْرُ فِيهِ[23].
مثال 27 :قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: « وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ »[24] مفهوم الحديث : مَنْ لَمْ يَسْمَعْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْذُورٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ[25].
مثال 28 :قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: « إِنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ »[26] ،ومفهوم الحديث : أن الكافر ينجس ، وقد تَمَسَّكَ بِمَفْهُومِهِ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالَ إِنَّ الْكَافِرَ نَجِسُ الْعَيْنِ وَقَوَّاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿ إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس ﴾ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنِ الْحَدِيثِ : بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ طَاهِرُ الْأَعْضَاءِ لِاعْتِيَادِهِ مُجَانَبَةَ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ لِعَدَمِ تَحَفُّظِهِ عَنِ النَّجَاسَةِ ، وَعَنِ الْآيَةِ : بأن المُرَاد أَنه نَجَسٌ فِي الِاعْتِقَادِ وَالِاسْتِقْذَارِ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَرَقَهُنَّ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ مَنْ يُضَاجِعُهُنَّ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُجِبْ عَلَيْهِ مِنْ غُسْلِ الْكِتَابِيَّةِ إِلَّا مِثْلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ غُسْلِ الْمُسْلِمَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآدَمِيَّ الْحَيَّ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ[27] .
مثال 29 : قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: « «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِي جَارَهُ »[28] أي من التزم شرائع الإسلام لزمه إكرام جاره وبره، وأمَر أهل الإيمان بذلك[29] ، وَمَفْهُوم الحديث : من آذاه لَا يكون مُؤمنا، وَلَكِن الْمَعْنى لَا يكون كَامِلا فِي الْإِيمَان[30].
مثال 30 : قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: « «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ »[31] أي : لا يكمل إيمان أحدكم حتَّى يحب لأخيه في الإسلام ما يحب لنفسه[32] ، وَمَفْهُوم الحديث : من لم يحب لأخيه ما يحبه لنفسه يكون غير كامل الإيمان .