سؤال:
ما مدى صحة حديث الأوعال ؟ وكيف نفسره في ضوء العلم الحديث ؟
الجواب:
الحمد لله
أما نص حديث الأوعال فهو :
عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال :
( كُنتُ فِي البَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فِيهِم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، فَمَرَّت بِهِم سَحَابَةٌ ، فَنَظَرَ إِلَيهَا فَقَالَ : " مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ ؟ " قالوا : السَّحَابُ . قَالَ : " وَالمُزنُ " ، قَالُوا : وَالمُزنُ ، قَالَ : " وَالعَنَانُ " ، قَالُوا : وَالعَنَان ، قال : " هَل تَدرُونَ مَا بُعدُ مَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ ؟ " قالوا : لا نَدرِي . قَالَ : " إِنَّ بُعدَ مَا بَينَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ أَو اثنَتَانِ أَو ثَلاثٌ وَسَبعُونَ سَنَةً ، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوقَهَا كَذَلِكَ - " حَتَّى عَدَّ سَبعَ سَمَوَاتٍ " - ثُمَّ فَوقَ السَّابِعَةِ بَحرٌ بَينَ أسفَلِهِ وَأَعْلاهُ مِثلُ مَا بَينَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ، ثُمَّ فَوقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ ، بَينَ أَظلافِهِم وَرُكَبِهِم مِثلُ مَا بَينَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ، ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِم العَرشُ ، مَا بَينَ أَسفَلِهِ وَأَعلاهُ مِثلُ مَا بَينَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ، ثُمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوقَ ذَلِكَ ) .
قال ابن الأثير في "النهاية" (3/355) :
" ( أوعال ) أي ملائكةٌ على صُورة الأوْعال ، وهم تُيوسُ الجَبَل ، واحِدُها وَعِلٌ بكسر العين .
( الظِّلْف ) للبَقَر والغَنَم كالحافِر للفَرس والبَغْل والخُفِّ للبَعِير " انتهى .
وهذا حديث مشهور في كتب أهل العلم ، ومروي في أكثر الكتب المسندة ، فقد أخرجه أحمد في "المسند" (1/206) ، وأبو داود في "السنن" (4723) ، والترمذي في "السنن" (3320) وابن ماجه (193) ، والدارمي في "الرد على الجهمية" (50) ، والبزار في مسنده (4/134) ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في "العرش" (1/66) ، وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/234) ، والحاكم في المستدرك (2/410) وغير ذلك من كتب السنة .
ومجموع رواية هؤلاء الأئمة تصل إلى خمس روايات كلها تلتقي في :
سِمَاك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه به .
أما سِمَاك بن حرب فقد أدرك العديد من الصحابة ، وأخرج له مسلم ، والبخاري تعليقا ، وقد وثقه جماعة من أهل العلم ، كالإمام أحمد وأبو حاتم والبزار وغيرهم ، ولكن أخذ عليه بعض أهل العلم وجود الغرائب في حديثه ، لذلك ضعفه شعبة وابن المبارك ، وقال ابن أبي خيثمة سمعت ابن معين سئل عنه : ما الذي عابه ؟ قال : أسند أحاديث لم يسندها غيره وهو ثقة . وقال ابن عمار : يقولون إنه كان يغلط ، ويختلفون في حديثه . وكان الثوري يضعفه بعض الضعف ، ولم يرغب عنه أحد . وقال النسائي : كان ربما لقن ، فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة لأنه كان يلقن فيتلقن . وقال ابن حبان في "الثقات" : يخطىء كثيرا .
انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (4/204)
وأما عبد الله بن عميرة : فلا نعرف عنه شيئا من ترجمته إلا أنه يروي عن الأحنف بن قيس ، ولا يعرف عنه راو غير سماك بن حرب ، ولم ينص أحد من أهل العلم على توثيقه أو تضعيفه ، إلا أن ابن احبان ذكره في "الثقات" ، وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (5/301)
" قال البخاري : لا يعلم له سماع من الأحنف . وذكره ابن حبان في "الثقات" ، وحسن الترمذي حديثه ، قلت ( أي ابن حجر ) : قال أبو نعيم في "معرفة الصحابة" : أدرك الجاهلية ، وكان قائد الأعشى ، لا تصح له صحبة ولا رؤية . وقال مسلم في "الوُحدان" : تفرد سماك بالراوية عنه . وقال إبراهيم الحربي : لا أعرفه " انتهى .
ولما كان أمر سماك بن حرب قد لا يحتمل التفرد بحديث أصل ، ونجد أمر عبد الله بن عميرة مشتبها ومحتملا ، اختلف أهل العلم في تصحيح الحديث أو تضعيفه .
فالحديث قال فيه الترمذي : حسن غريب . وصححه ابن خزيمة بإخراجه في كتاب "التوحيد" حيث اشترط الصحة ، وقال الحاكم في "المستدرك" : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .
ومن المتأخرين ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/192) ، وابن القيم في "مختصر الصواعق" (433) حيث قال : إسناده جيد .
أما من ضعفه من أهل العلم :
فهو مفهوم كلام البزار في "مسنده" (4/115) حيث قال : " لا نعلمه روي بهذا الكلام وهذا اللفظ إلا من هذا الوجه عن العباس عن النبي صلى لله عليه وسلم ، وعبد الله بن عميرة ، لا نعلم روى عنه إلا سماك بن حرب " انتهى .
وابن عدي في الكامل (9/27) حيث قال : غير محفوظ .
وأشار إلى ضعفه المزي في "تهذيب الكمال" (10/391)
وقال الذهبي في "العلو" (1/60) : " تفرد به سماك عن عبد الله ، وعبد الله فيه جهالة " انتهى وإن كان الذهبي قد حسن الحديث في كتاب "العرش" (24)
ومن المتأخرين أيضا العلامة الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1247)
والذي يترجح – والله أعلم – هو ضعف الحديث ، فإن تفرد سماك بن حرب بمثل هذا الحديث المتعلق بالغيبيات تفرد غير مقبول ، وجهالة عبد الله بن عميرة تضر في مثل هذا الموضع أيضا ، ثم ثمة انقطاع بينه وبين الأحنف بن قيس .
أما من أراد الاستدلال بهذا الحديث على علو الله سبحانه وتعالى على خلقه ، وأنه فوق العرش العظيم ، فإن الكتاب والسنة الصحيحة مليئان بما يغني في الدلالة على ذلك ، حتى قد تصل الأدلة إلى ألف دليل ، وقد جمعها الإمام الذهبي في كتابه "العلو" لمن أراد المزيد .
وسبق في موقعنا ذكر شيء من الأدلة ، انظر جواب السؤال رقم (992) و (11035)
والله أعلم .