مرحباً بكم أخي الكريم .
نفعكم الله بهذا المنتدى في الدارين .
لا تنسى ذكر الله !!!
مرحباً بكم أخي الكريم .
نفعكم الله بهذا المنتدى في الدارين .
لا تنسى ذكر الله !!!
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  ـ طواغيت تُعبد من دون الله تعالى : ( 5- الحاكم بغير ما أنزل الله ) .

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابن القيم




عدد المساهمات : 52
تاريخ التسجيل : 11/07/2016

 ـ طواغيت تُعبد من دون الله تعالى : ( 5- الحاكم بغير ما أنزل الله ) . Empty
مُساهمةموضوع: ـ طواغيت تُعبد من دون الله تعالى : ( 5- الحاكم بغير ما أنزل الله ) .    ـ طواغيت تُعبد من دون الله تعالى : ( 5- الحاكم بغير ما أنزل الله ) . Emptyالإثنين أغسطس 08, 2016 9:45 am

ـ طواغيت تُعبد من دون الله تعالى : ( 5- الحاكم بغير ما أنزل الله ) .

الحاكم بغير ما أنزل الله رأس في الطغيان والجور، لمجاوزته حكم الله تعالى وإعراضه عنه، واستبداله بحكم وشرائع الجاهلية الأخرى.

قال تعالى : و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون  . وقال : و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون . وقال : أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون . وكل حكم غير حكم الله فهو حكم الجاهلية، والآية تشمله وتطاله، وكل من يبغي حكما غير حكم الله فهو ممن يبغي حكم الجاهلية.

و ممن ينالهم مسمى الطاغوت وصفته لعدم حكمهم بما أنزل الله، قضاة المحاكم الوضعية، والمحامون العاملون فيها الذين يحكمون في الناس بشرائع الطاغوت، ونحوهم مشايخ العشائر والقبائل الذين يحكمون بالعادات السائدة، وبالأعراف والأهواء، وسواليفهم الباطلة، ويقدمونها على شرع الله تعالى.

فإن قيل :
تُقرر في التعريف أن الطاغوت هو الذي يُعبد من دون الله، فأين تكمن عبادة الحاكم بغير ما أنزل الله حتى سُمي طاغوتا ؟
و الجواب على ذلك من أوجه :
منها، أن الله تعالى قد سمى الحاكم بغير ما أنزل الله طاغوتا، في قوله تعالى : يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به .
و لا شك أن الطاغوت الوارد ذكره في الآية يشمل الحاكم بغير ما أنزل الله، ولربما يكون المعنى بالدرجة الأولى من صفة الطغيان ومسمى الطاغوت الواردة في الآية. وقد أثر عن بعض السلف أن المراد بالطاغوت الوارد في هذه الآية هو كعب بن الأشرف اليهودي، لكونه يحكم بغير ما أنزل الله…
قال المودودي : فالمراد بالطاغوت في هذه الآية صراحة الحاكم الذي يحكم بقوانين أخرى غير قانون الله وشرعه، وكذلك نظام المحاكم الذي لا يطيع سلطة الله العليا ويستند إلى كتاب آخر غير كتاب الله .
و منها، أن الحاكم بغير ما أنزل الله يُعبد من جهة التحاكم والطاعة من قبل المتحاكم إليه، وقد تقدم أن التحاكم عبادة لا تُصرف إلا لله تعالى، فمن تحاكم إلى غيره فهو متأله لهذا الغير وعابد له.
و منها، أن الذي يحكم بغير ما أنزل الله، يُخرج أولياءه ومتابعيه الراضين به، من نور الوحي وعدل الإسلام وهو الحكم بما أنزل الله، إلى ظلمات الشرك والكفر والجاهلية وهو الحكم بغير ما أنزل الله، وهو  المراد من قوله تعالى : و الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
و منه يعلم أن الحاكم بغير ما أنزل الله يُجرى عليه مسمى الطاغوت، اسما وصفة ومعنى، ولا محالة من ذلك.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : الطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة، منهم : الذي يحكم بغير ما أنزل الله، والدليل قوله تعالى : و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .

- فصل القول فيمن يحكم بغير ما أنزل الله :

نحن إذ نتكلم - في بحثنا هذا - عن طغيان الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله، وعن حكم الشرع فيه، لا نقصد منه صورة ذاك الحاكم الطيب الذي يحب شرع الله، ولا يرضى عنه بديلا، ويسعى إلى تطبيقه - قدر طاقته - في جميع مجالات الحياة، لكنه في واقعة - وقل وقائع - تخونه نفسه، فيحكم فيها بغير ما أنزل الله لضعف في نفسه أو هوى، مع اعترافه بالتقصير وشعوره بالإثم، كما هو حال كثير من حكام بني أمية والعباسيين، وغيرهم من حكام المسلمين الذين جاؤوا من بعدهم.
فهؤلاء - ومن كان على صورتهم - لا نقول إلا بإسلامهم، ولا نعرف أحدا من أهل العلم المعتبرين قال بكفرهم، وعليهم وعلى أمثالهم نحمل مقولة ابن عباس رضي الله عنه وغيره من أهل العلم: إنه كفر دون كفر، وليس بالكفر الذي ينقل عن الملة، وأنهم فعلوا فعلا يضاهي أفعال الكفار.
فنحن لا نريد هذه الصورة الشبه غائبة عن الساحة ومنذ زمن بعيد، وإنما نريد حالة أخرى، نريد تلك الصورة السائدة في كثير من أمصار المسلمين…
نريد ذاك الحاكم الذي غير وبدل، وقدم شرع الطاغوت على شرع الله، واستحسنه وحسنه في أعين الناس…
نريد ذاك الحاكم الذي يحارب ويعادي شرع الله، والدعاة إلى تطبيق شرع الله في الأرض…
نريد ذاك الحاكم الذي يحمي - بالمال والرجال والسلاح - قوانين الكفر، ويقاتل الأمة دونها…
نريد ذاك الحاكم الذي ظهرت فيه جميع العلامات والقرائن الدالة على كرهه لشرع الله…
نريد ذاك الحاكم الذي يحتاج إلى ثورة عارمة مسلحة حتى ينصاع إلى أمر أو حكم واحد من أحكام الله..!
نريد ذاك الحاكم الذي أعطى ظهره لشرع الله، وأعرض عنه كل الإعراض…
نريد ذاك الحاكم الذي استحل - بلسان الحال والعمل وهو أقوى من سان المقال - الحكم بغير ما أنزل الله…
فهذه الصورة الخبيثة الجاثمة على صدر الأمة ومقدراتها نريد، وهذا الحاكم الطاغي - بصفاته الآنفة الذكر - نريد،  وفيه نقول : قد اجتمعت أدلة الكتاب والسنة، وجميع أقوال علماء الأمة المعتبرين - بما لا يدع مجالا للشك والتوقف أو التردد - على كفره كفرا بواحا ظاهرا، لا يتوقف في تكفيره إلا كل مرجف مغفل، أو جاهل أعمى البصر والبصيرة.

بعض أقوال أهل العلم في كفر من حكم بغير ما أنزل الله :

1- ابن كثير :
قال في تفسير قوله تعالى : أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون .
ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر  وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان الذي وضع لهم "الياسق"، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير، قال تعالى :  أفحكم الجاهلية يبغون، أي يبتغون ويريدون وعن حكم الله يعدلون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون .
فتأمل كيف اعتبر الحكم "بالياسق" كفرا، وأن الذي يحكم به كافر يجب قتاله.. ثم تأمل هل تجد فارقا بين ياسق جنكزخان وبين القوانين الوضعية النافذة في أمصار المسلمين ؟!
بل لربما كان الياسق أفضل من جهة أنه يحتوي على بعض ما جاء في الملة الإسلامية، بخلاف القوانين الوضعية التي كلها مستمدة من قوانين الغرب وأهواء الرجال.

2- أحمد شاكر:
قال معلقا على كلام ابن كثير السابق : أفيجوز مع هذا في شرع الله أن يحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوربة الوثنية الملحدة، بل تشريع تدخله الأهواء والآراء الباطلة يغيرونه ويبدلونه كما يشاؤون، لا يبالي واضعه وافق شرعة الإسلام أم خالفها…
إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام - كائنا من كان - في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها…
أفيجوز مع هذا لأحد من المسلمين أن يعتنق هذا الدين الجديد، أعني التشريع الجديد ؟!
أو يجوز لرجل مسلم أن يلي القضاء في ظل الياسق العصري، وأن يعمل به ويعرض عن شريعته البينة ؟!

3- ابن تيمية :
في قوله تعالى : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت….
قال : في هذه الآيات أنواع من العبر من الدلالة على ضلال من يحاكم إلى غير الكتاب والسنة، وعلى نفاقه، وإن زعم أنه يريد التوفيق بين الأدلة الشرعية وبين ما يسميه هو عقليات من الأمور المأخوذة عن بعض الطواغيت من المشركين وأهل الكتاب وغير ذلك من أنواع الاعتبار.
و ولي الأمر إذا ترك إنكار المنكرات وإقامة الحدود عليها بمال يأخذه، كان بمنزلة مقدم الحرامية، الذي يقاسم المحاربين على الأخيذة، وبمنزلة القواد الذي يأخذه ليجمع بين اثنين على فاحشة ، وكان حاله شبيها بحال عجوز السوء امرأة لوط التي كانت تدل الفجار على ضيفه التي قال الله تعالى فيها : فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ..
و ولي الأمر إنما نصب ليأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر وهذا هو مقصود الولاية، فإذا كان الوالي يمكن من المنكر بمال يأخذه ، كان قد أتى بضد المقصود، مثل من نصبته ليعينك على عدوك، فأعان عدوك عليك. وبمنزلة من أخذ مالا ليجاهد به في سبيل الله، فقاتل به المسلمين…
و قال : فكل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة يجب جهادها، حتى يكون الدين كله لله، باتفاق العلماء.
فثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، أنه يقاتل من خرج عن شريعة الإسلام وإن تكلم بالشهادتين…
و قال : فكل من امتنع من أهل الشوكة عن الدخول في طاعة الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله، ومن عمل في الأرض بغير كتاب الله وسنة رسوله فقد سعى في الأرض فسادا…
و معلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم  : فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب…
و قال : فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزله الله فهو كافر ، فإن ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله، كسواليف البادية، ويرون أن هذا الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر. فإن كثيرا من الناس أسلموا، ولكن لا يحكمون إلا بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار .
3- محمد بن عبد الوهاب :
قال رحمه الله : نُكفِّر من أشرك بالله في إلهيته بعدما نبين له الحجة على بطلان الشرك، وكذلك نكفر من حسنه للناس، أو أقام الشبه الباطلة على إباحته، وكذلك من قام بسيفه دون هذا المشاهد - أي القبور - التي يشرك بالله عندها، وقاتل من أنكرها وسعى في إزالتها، ونكفر من أقر بدين الله ورسوله ثم عاداه وصد الناس عنه .
قلت : ونحوه الذي يقاتل دون قوانين الكفر والشرك، وقاتل من أنكرها وسعى في إزالتها، فإنه كافر أيضا. وكذلك الذي يروجها ويحسنها ويفرضها على الأمة فإنه كافر.

4- محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ :
قال رحمه الله : الحاكم بغير ما أنزل الله كافر، إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة .
أما الأول وهو كفر الاعتقاد، فهو أنواع :
أحدها : أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله. وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم.. فإنه كافر الكفر الناقل عن الملة.
الثاني : أن لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كون حكم الله ورسوله حقا، لكن اعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم  أحسن من حكمه، وأتمُّ وأشمل .. وهذا أيضا لا ريب أنه كفر.
الثالث : أن لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله، لكن اعتقد أنه مثله، فهذا كالنوعين الذين قبله، في كونه كافرا الكفر الناقل عن الملة.
الرابع : أن لا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلا لحكم الله ورسوله، فضلا عن أن يعتقد كونه أحسن منه، لكن اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله، فهذا كالذي قبله..
الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ولرسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية، إعدادا وإمدادا وإرصادا وتأصيلا وتفريعا وتشكيلا وتنويعا وحكما وإلزاما، ومراجع ومستندات.
فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات، مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . فلهذه المحاكم مراجع، هي : القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي، والقانون  الأمريكي، والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتمين إلى الشريعة وغير ذلك.
فهذه المحاكم في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة، مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون، وتُلزمهم به، وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم. فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمدا رسول الله بعد هذه المناقضة.
السادس : ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر، والقبائل من البوادي ونحوهم، من حكايات آبائهم وأجدادهم، وعاداتهم التي يسمونها "سلومهم"، يتوارثون ذلك منهم ، ويحكمون به ويحضون على التحاكم إليه عند النزاع، بقاء على أحكام الجاهلية، وإعراضا ورغبة عن حكم الله ورسوله .
قلت : من يتأمل واقع كثير من حكام هذه الأمة - بعين الإنصاف والتجرد للحق - يجد أن هذه الأنواع الستة التي ذكرها الشيخ - وأن واحدة منها تكفر الحاكم وتخرجه من الملة - متوفرة فيهم جميعها ويتصفون بها، ويزيدون عليها خصلة الاستهانة والتهكم والاستهزاء بشرع الله، وخصلة أخرى ثامنة وهي : محاربتهم واضطهادهم لمن يطالبهم بالحكم بما أنزل الله… ومع ذلك نجد - من مشايخ الإرجاء - من يتوقف عن تكفيرهم - رغبة أو رهبة - ويحمل عليهم مقولة : كفر دون كفر، والكفر العملي الأصغر !!
فإن قيل : كيف تحملونهم تبعات النوع السادس، وهو تحاكم القبائل والعشائر إلى الحكايات والعادات ..؟
أقول : فهم يتحملون تبعات هذا النوع لأنهم يقرونهم على ذلك، ويشجعونهم عليه، ويعتبرون ذلك من خصوصيات القبائل التي لا ينبغي التدخل بها، وربما اعتبروها من التراث الشعبي الذي ينبغي المحافظة عليه.. والرضى بالشيء كفاعله، والرضى بالكفر كفر.
و ربما كان سكوتهم عليهم وتشجيعهم لهم من باب إضعاف شوكة المطالبة بالحكم بما أنزل الله، فهم مما عُرفوا فيه أنهم كل ما يصب في إضعاف شوكة الإسلام والمسلمين، يشجعونه ويروجونه، ويسكتون عليه.

5- الشنقيطي :
قال رحمه الله : أما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السماوات والأرض، فتحكيمه كفر بخالق السماوات والأرض، كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث، وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم، وأن الطلاق ظلم للمرأة، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان، ونحو ذلك.
فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم كفر بخالق السماوات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرع آخر علوا كبيرا أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله.
و يفهم من هذه الآيات كقوله و لا يشرك في حكمه أحدا أن متبغي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله، وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر، كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان  في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله : و لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون فصرح أنهم مشركون بطاعتهم، وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى : ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين. وقوله تعالى : و إن يدعون إلا شيطانا مريدا، أي ما يعبدون إلا شيطانا، أي وذلك باتباع تشريعه، ولذا سمى الله الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى : و كذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم.
و من أصرح الأدلة في هذا أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب، وذلك في قوله تعالى : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا.
و بهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم .

6- عبد العزيز بن باز :
حيث قال : ولا إيمان لمن اعتقد أن أحكام الناس وآراءهم خير من حكم الله ورسوله، أو تماثلها وتشابهها، أو تركها وأحل محلها الأحكام الوضعية، والأنظمة البشرية، وإن كان معتقدا أن أحكام الله خير وأكمل وأعدل.
و قال : فمن خضع لله سبحانه وأطاعه وتحاكم إلى وحيه، فهو العابد له، ومن خضع لغيره وتحاكم إلى غير شرعه، فقد عبد الطاغوت وانقاد له، كما قال تعالى : ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا.
و العبودية لله وحده والبراءة من عبادة الطاغوت والتحاكم إليه من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله .
فانظر كيف اعتبر الشيخ أن مجرد ترك الحكم بما أنزل الله، واستبداله بالأحكام الوضعية والأنظمة البشرية - كما هو حال أكثر الأنظمة الحاكمة اليوم - يقتضي انتفاء مطلق الإيمان عن صاحبه، وإن ادعى سلامة اعتقاده نحو شرع الله وحكمه.

7- سيد قطب :
قال رحمه الله : إما أن يكون الحكام قائمين على شريعة الله كاملة فهم في نطاق الإيمان، وإما أن يكونوا قائمين على شريعة أخرى مما لم يأذن به الله فهم الكافرون والظالمون والفاسقون.
و إن الناس إما أن يقبلوا من الحكام والقضاة حكم الله وقضاءه في أمورهم، فهم مؤمنون وإلا فما هم بالمؤمنين…و لا وسط بين هذا الطريق وذاك، ولا حجة ولا معذرة ولا احتجاج بمصلحة.
و ليس لأحد من عباده أن يقول إنني أرفض شريعة الله، أو أنني أبصر بمصلحة الخلق من الله، فإن قاله - بلسان أو بفعل - فقد خرج من نطاق الإيمان. فما يمكن أن يجتمع الإيمان وعدم تحكيم شريعة الله، أو عدم الرضى بحكم هذه الشريعة.
و الذين يزعمون لأنفسهم أو لغيرهم أنهم "مؤمنون" ثم هم لا يحكمون شريعة الله في حياتهم، أو لا يرضون حكمها إذا طبق عليهم، إنما يدعون دعوى كاذبة، وإنما يصطدمون بهذا النص القاطع و ما أولئك بالمومنين.
فمن شاء أن يقول : إن البشرية في طور من أطوارها لا تجد في هذا الكتاب حاجتها فليقل، ولكن ليقل معه إنه - والعياذ بالله - كافر بهذا الدين مكذب بقول رب العالمين.
و هكذا تتبين القضية بقول الله سبحانه يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون إلى الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم.
هكذا تتبين القضية .. إله واحد، ومالك واحد.. إذن فحاكم واحد ومشرع واحد، ومتصرف واحد.. وإذن فشريعة واحدة، ومنهج واحد وقانون واحد.. وإذن فطاعة واتباع وحكم بما أنزل الله، فهو إيمان وإسلام. أو معصية وحكم بغير ما أنزل الله، فهو كفر وظلم وفسوق.
ما الذي يستطيع أن يقوله من ينحي شريعة الله عن حكم الحياة، ويستبدل بها شريعة الجاهلية وحكم الجاهلية، ويجعل هواه هو أو هوى شعب من الشعوب أو هوى جيل من أجيال البشر، فوق حكم الله، وفوق شريعة الله ؟!
ما الذي يستطيع أن يقوله وبخاصة إذا كان يدعي أنه من المسلمين ؟!! الظروف ؟ الملابسات ؟ عدم رغبة الناس ؟ الخوف من الأعداء ؟ ألم يكن هذا كله في علم الله وهو يأمر المسلمين أن يقيموا بينهم شريعته وأن يسيروا على منهجه، وألا يُفتنوا عن بعض ما أنزله ؟
قصور شريعة الله عن استيعاب الحاجات الطارئة، والأوضاع المتجددة والأحوال المتقلبة ؟ ألم يكن ذلك في علم الله وهو يشدد هذا التشديد ويحذر هذا التحذير ؟
يستطيع غير المسلم أن يقول ما يشاء، ولكن المسلم أو من يدعون الإسلام ما الذي يقولونه في هذا كله، ثم يبقون على شيء من الإسلام أو يبقى لهم شيء من الإسلام، إنه مفرق الطريق الذي لا جدوى عنده من الاختيار، ولا فائدة في المماحكة عنده ولا الجدال.. إما إسلام وإما جاهلية، إما إيمان وإما كفر، إما حكم الله وإما حكم الجاهلية..
و مجرد الاعتراف بشرعية منهج أو وضع أو حكم من صنع غير الله، هو بذاته خروج من دائرة الإسلام لله ، فالإسلام لله هو توحيد الدينونة له دون سواه .


8- محمد حامد الفقي :

قال رحمه الله في تعليقه على "ياسق" التتار الذي تكلم عنه ابن كثير عند تفسير قوله تعالى : أفحكم الجاهلية يبغون : ومثل هذا وشر منه، من اتخذ من كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها في الدماء والفروج والأموال، ويقدمها على ما علم وتبين له من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم  ، فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصر عليها ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله، ولا ينفعه أي اسم تسمى به، ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام والحج ونحوها  .
أقول : في هذه النقولات لجهابذة أهل العلم القدر الكافي لمن أراد معرفة الحق في المسألة، أما من أعمى الله بصره وبصيرته، ممن آثر ركوب الهوى من غير التفات إلى نص أو قول عالم معتبر، فهؤلاء حسبنا أن نقول فيهم قوله تعالى : و جعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء ، أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا .

ما يتعلق بفقه آيات سورة المائدة  ( و هي قوله تعالى : و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون..الظالمون..الفاسقون ) :

و هي قوله تعالى : و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون..الظالمون..الفاسقون .
قال ابن عباس : أنزلها الله في الطائفتين من اليهود، ففيهم والله أنزل وإياهم عنى الله عز وجل . وقال : من جحد ما أنزل الله فقد كفر. وعن البراء بن عازب، وحذيفة بن اليمان، وابن عباس، وأبي مجلز، وأبي رجاء العطاري، وعكرمة، وعبيد الله بن عبد الله، والحسن البصري : وهي علينا واجبة. وعن سفيان الثوري، عن منصور، عن ابراهيم قال : نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل ورضي الله لهذه الأمة.
و الذي اختاره ابن جرير الطبري : أن الآية المراد بها أهل الكتاب، أو من جحد حكم الله المنزل في الكتاب .
مما سبق تتضح الأمور التالية :
1ـ أن الآيات نزلت في كفار أهل الكتاب، وهي تشمل غيرهم ممن يجحد حكم الله عز وجل..
2ـ أن الآيات إذا أطلقت فهو يراد منها : الكفر الأكبر، والفسق الأكبر، والظلم الأكبر، لأنها نزلت في أهل الكتاب ومن يجحد حكم الله. وليس كما يفعل مشايخ الإرجاء لمجرد سماعهم الآيات، سرعان ما يحملونها على الكفر دون كفر، والظلم دون ظلم، والفسق دون فسق متذرعين بقول ابن عباس.!! فهي مقولة حق، لكن يريدون بها إحقاق باطل، وإبطال حق حيث وضعوها في غير موضعها وحملوها ما لا تحتمل.
3ـ عند حمل الآيات على المسلمين، ينظر لحالهم : إن كانوا ممن يرفضون حكم الله، ويحاربون دعاة الحكم إلى الله، ويشرعون التشريع الذي يضاهي شرع الله، وقد بدلوا حكم الله بحكم الطاغوت.. فهؤلاء ينطبق عليهم الكفر الأكبر، والظلم الأكبر، والفسق الأكبر المخرج عن الملة، وإن لم يصرحوا بلسانهم أنهم يجحدون حكم الله، لأن لسان الحال أقوى من لسان المقال وهو شاهد عليهم بالكفر. أما إن كانوا ممن يحكمون بما أنزل الله، وتظهر منهم القرائن اللفظية والفعلية الدالة على حبهم لحكم الله ورضاهم به وحرصهم عليه، وأنهم يسعون جهد طاقتهم لتطبيقه، ثم هم في مسألة أو بعض المسائل يحكمون فيها بغير ما أنزل الله لهوى أو ضعف أو شهوة أو تأويل باطل، مع اعترافهم بالتقصير وشعورهم بالإثم، فمثل هؤلاء يحمل عليهم قول ابن عباس : كفر دون كفر، وظلم دون ظلم..
قال ابن القيم : الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين، الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصيانا، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا كفر أصغر ، وإن اعتقد أنه غير واجب، وأنه مخير فيه، مع تيقنه حكم الله هذا كفر أكبر .
4ـ إذا كان ابن عباس يقول : إن الآيات نزلت في كفار أهل الكتاب، وأن من جحد حكم الله فهو كافر، إذا من يقصد بقوله : كفر دون كفر، وإنه ليس بالكفر الذي ينقل عن الملة ؟
فإن من تمام فقه "مدلولات القول" إدراك زمانه، والظروف المحيطة به، والأسباب التي دعت إليه، وابن عباس رضي الله عنه كان يقصد حكاما مسلمين معاصرين له وهم حكام بني أمية، الذين لم تظهر منهم القرائن الدالة على جحودهم لحكم الله أو الاستهانة به، وكانوا يحكمون الشريعة في عموم حياة الناس، والانحراف الذي طرأ في الحكم في عهد الأمويين - وعنه سئل ابن عباس وهو المعني من كلامه - قد أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم  بقوله : "أول ما يفقد من الدين الحكم". وقال : "أول من يغير سنتي رجل من بني أمية" . أي يغير سنته صلى الله عليه وسلم  في اختيار الخليفة إلى نظام وراثي، ومع ذلك لا أحد يشك في إسلام معاوية وأولاده، ولا أحد قال بكفرهم.
و عليه فمن الخطأ الظاهر حمل كلام ابن عباس - كفر دون كفر - الذي كان يقصد به حكام بني أمية، على حكام في هذا العصر استحلوا الحكم بغير ما أنزل الله بالقول والفعل، واجتمعت فيه جميع نواقض الإيمان .


المرجع : كتاب الطاغوت .
الشيخ   : عبدالمنعم مصطفى حليمة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ـ طواغيت تُعبد من دون الله تعالى : ( 5- الحاكم بغير ما أنزل الله ) .
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ـ طواغيت تُعبد من دون الله تعالى : ( 6- المشرع من دون الله 7-التشريع ذاته ) .
» ـ طواغيت تُعبد من دون الله تعالى : ( 8- المحبوب لذاته من دون الله تعالى 9-المطاع لذاته من دون الله ) .
»  طواغيت تُعبد من دون الله تعالى (مجملاً ) !
» ـ طواغيت تُعبد من دون الله تعالى : ( 1- الشيطان 2- الهوى 3- الساحر 4- الكاهن ) .
»  - طواغيت تعبد من دون الله : ( 18-ما عبد من صنم، أو حجر، أو بقر، أو قبر، أو صورة، أو صليب 19-الديمقراطية 20-كل ما يعبد من دون الله ) :

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: العلوم الشرعية :: العقيدة-
انتقل الى: